الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد العقد، هذا ظاهر مذهب الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، وغيرهما في جميع العقود، وهو وجهٌ في مذهب الشافعي.
قال: وهكذا يطرده مالك، وأحمد في العبادات.
قال: وفي مذهب أحمد قول ثانٍ، أنَّ الشروط المتقدمة لا تؤثر.
قال: وأما عامة نصوص أحمد، وقدماء أصحابه، ومحققي المتأخرين على أنَّ الشروط المواطأة التي تجري بين المتعاقدين قبل العقد إذا لم يفسخاها حتى عقد العقد؛ فإنَّ العقد يقع مقيدًا بها، وعلى هذا جواب أحمد في مسائل الحيل في البيع، والإجارة، والرهن، والقرض، وغير ذلك، وهذا كثير موجود في كلامه، وكلام أصحابه. اهـ، وانظر بقية كلامه.
وأما الشروط بعد العقد فلا تلزم عند أهل العلم.
(1)
مسألة [15]: هل ما اعتاده الناس شرطًا في النكاح يقوم مقام التلفظ به
؟
للحافظ ابن القيم رحمه الله بحثٌ نفيس في «زاد المعاد» (5/ 118) يقرر أنَّ المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا، ومما استدل به حديث المسور بن مخرمة في «الصحيحين» أنَّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أن ينكحوا ابنتهم عليًّا، فقال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، فإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها» ، وفي رواية في «البخاري»: ثم ذكر صهرًا له، فأثنى عليه، فقال:«حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» .
(2)
(1)
انظر: «مجموع الفتاوى» (32/ 166 - )«الإنصاف» (8/ 152)«الشرح الممتع» (5/ 233).
(2)
انظر: «البخاري» رقم (3110)(5230)، ومسلم رقم (2449).
قال رحمه الله: فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَأَنَّ عَدَمَهُ يُمَلِّكُ الْفَسْخَ لِمُشْتَرِطِهِ، فَلَوْ فُرِضَ مِنْ عَادَةِ قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يُخْرِجُونَ نِسَاءَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَا يُمَكِّنُونَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ وَاسْتَمَرَّتْ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا، وَهُوَ مُطَّرِدٌ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَوَاعِدِ أحمد رحمه الله أَنَّ الشَّرْطَ الْعُرْفِيَّ كَاللَّفْظِيِّ سَوَاءٌ، وَلِهَذَا أَوْجَبُوا الْأُجْرَةَ عَلَى مَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى غَسَّالٍ أَوْ قَصَّارٍ، أَوْ عَجِينَهُ إِلَى خَبَّازٍ، أَوْ طَعَامَهُ إِلَى طَبَّاخٍ يَعْمَلُونَ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ أَوِ اسْتَخْدَمَ مَنْ يَغْسِلُهُ مِمَّنْ عَادَتُهُ يَغْسِلُ بِالْأُجْرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْرُطْ لَهُمْ أُجْرَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَعَلَى هَذَا، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتٍ لَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَى نِسَائِهِمْ ضَرَّةً وَلَا يُمَكِّنُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَادَتُهُمْ مُسْتَمِرَّةٌ بِذَلِكَ، كَانَ كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُمَكِّنُ إِدْخَالَ الضَّرَّةِ عَلَيْهَا عَادَةً لِشَرَفِهَا وَحَسَبِهَا وَجَلَالَتِهَا، كَانَ تَرْكُ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا كَالْمَشْرُوطِ لَفْظًا سَوَاءٌ.
وَعَلَى هَذَا فَسَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَابْنَةُ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ أَحَقُّ النِّسَاءِ بِهَذَا، فَلَوْ شَرَطَهُ عَلِيٌّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ تَأْكِيدًا لَا تَأْسِيسًا. اهـ
ووجه تضمن الحديث لذلك أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبر أنَّ ذلك يؤذي فاطمة، ويريبها، وأنه يؤذيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ويريبه، ومعلومٌ قطعًا أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إنما زوَّجَه فاطمة رضي الله عنها على أن لا يؤذيها، ولا يريبها، ولا يؤذي أباها ولا يريبه، وإن لم يكن هذا مشترطًا في صلب العقد؛ فإنه من المعلوم بالضرورة أنه إنما دخل عليه، وفي ذكره -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صهره