الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدلوا على الجواز بقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27].
وقول الجمهور هو الصواب، والله أعلم، ويُعتبر فيه أن تكون المنفعة معلومة المقدار.
(1)
مسألة [6]: تزوجها على أن يحج بها
؟
• مذهب أحمد، والشافعي عدم صحة المهر المسمى، ولها صداق مثلها، ولها قبل الدخول المتعة؛ لأنَّ الحملان مجهول.
• ومذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي -وهو قول النخعي- الجواز والصحة، ولا جهالة في ذلك؛ لأنه معلوم عُرفًا، والتفاوت يسير في ذلك، والله أعلم، وهذا أقرب، وإن طلقها قبل الدخول بها؛ فإن مالكًا، والأوزاعي، وأبا عبيد يقولون: عليه نصف قيمة الحملان. وقال الأوزاعي وأبو عبيد: وعليه النفقة والكسوة. يعنيان للحج.
(2)
مسألة [7]: تزوجها على أن يعلمها من القرآن
؟
• مذهب الشافعي، وأحمد، والبخاري الجواز، واستدلوا على ذلك بحديث سهل بن سعد في قصة الواهبة، قال:«زوجتكها بما معك من القرآن» .
(1)
انظر: «المغني» (10/ 102)«البيان» (9/ 374)«الزاد» (5/ 178 - 179).
(2)
انظر: «المغني» (10/ 102 - )، «الأوسط» (8/ 345).
قالوا: والمقصود تعليمها كما جاء في «صحيح مسلم» في رواية: فعلمها من القرآن. وهذه الزيادة ذكرها زائدة بن قدامة.
وقد روى الحديث جمعٌ عن أبي حازم بدون هذه الزيادة، وهم ما يقارب العشرة كما في «المسند الجامع» (7/ 281)، ومنهم: مالك، والسفيانان، ومعمر، وحماد، وعبدالعزيز بن أبي حازم وآخرون، ففي ثبوت هذه الزيادة نظر.
قالوا: وقد جاء في حديث أبي هريرة: «قم فعلمها عشرين آية» ، وفي إسناده: عسل بن سفيان، وهو ضعيف أيضًا، وقد تقدم.
قالوا: وإذا لم يكن المقصود هو التعليم؛ كان تزويجًا لصلاح الرجل، ولكونه حافظًا، ولا منفعة للمرأة من ذلك؛ فتكون كالموهوبة، وقد قال تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:50].
• وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى المنع من ذلك، وهو قول مالك، والليث، وأبي حنيفة، وإسحاق، وأحمد في رواية؛ لأنَّ الفروج تُستباح بالأموال، والقرآن لا يؤخذ عليه أجرة، ولأنَّ التعليم من المعلم والمتعلم مختلف، ولا يكاد ينضبط، فأشبه الشيء المجهول.
وأجاب هؤلاء عن حديث سهل بن سعد بأنها خاصَّة بذلك الرجل، ولا دليل صحيحًا على الخصوصية.
وقال بعضهم «زوجتكها بما معك من القرآن» ، أي: لما معك من القرآن،
والمهر يبقى في ذمته.
وقال بعضهم: يحتمل أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أصدق عنه. ولهم تأويلات أخرى كما في «الفتح» وغيره.
والصحيح أنه يجوز أن يكون الصداق تعليمها القرآن؛ لأنها منفعة أحب إلى المرأة العاقلة الصالحة من المال، بل زاد بعض أهل العلم فقالوا: يجوز أن يزوج؛ لكونه عالمًا، ولكونه حافظًا للقرآن دون أن يشترط منه التعليم، ويكون مهر المرأة انتفاعها من علم هذا الرجل وأخلاقه. ومثل هذا الحديث عندهم ما صحَّ عند النسائي (3340) وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أنَّ أم سليم تزوجت أبا طلحة على إسلامه.
قال ابن القيم رحمه الله -بعد أن ذكر حديث أم سليم وحديث الواهبة-: وَتَضَمّنَ أَنّ المَرْأَةَ إذَا رَضِيَتْ بِعِلْمِ الزّوْجِ، وَحِفْظِهِ لِلْقُرْآنِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ مَهْرِهَا؛ جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ انْتِفَاعِهَا بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ هُوَ صَدَاقُهَا، كَمَا إذَا جَعَلَ السّيّدُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَكَانَ انْتِفَاعُهَا بِحُرّيّتِهَا وَمِلْكِهَا لِرَقَبَتِهَا هُوَ صَدَاقَهَا، وَهَذَا هُوَ الّذِي اخْتَارَتْهُ أُمّ سُلَيْمٍ مِنْ انْتِفَاعِهَا بِإِسْلَامِ أَبِي طَلْحَةَ، وَبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ إنْ أَسْلَمَ، وَهَذَا أَحَبّ إلَيْهَا مِنْ الْمَالِ الّذِي يَبْذُلُهُ الزّوْجُ؛ فَإِنّ الصّدَاقَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ تَنْتَفِعُ بِهِ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْعِلْمِ، وَالدّينِ، وَإِسْلَامِ الزّوْجِ، وَقِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ؛ كَانَ هَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْمُهُورِ، وَأَنْفَعِهَا، وَأَجَلّهَا.