الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]؛ فلا يكون كناية كقوله: (اطعميني)، وفارق، (ذوقي، وتجرعي)؛ فإنه يستعمل في المكاره، كقول الله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181]، وكذلك التجرع {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: 17].
• وقال مالك: إذا خاطبها بأي لفظ كان، وقصد الطلاق طلقت، حتى لو قال:(يا فلانة) يريد به الطلاق؛ فهو طلاق. وبه قال الحسن بن صالح بن حي.
والصحيح هو القول الأول، وقد رجحه الإمام النسائي في «سننه» (3438)، وبوب عليه، واستدل عليه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في «البخاري» (3533)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش، وذمهم، يشتمون مذممًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمد» .
(1)
مسألة [7]: إذا قال لامرأته أنت علي حرام
؟
• اختلف أهل العلم في مسألة التحريم إلى أقوال كثيرة:
أحدها: أنَّ عليه فيه كفارة يمين، وهذا القول صحَّ عن ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وجاء عن أبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وعائشة رضي الله عنهم، بأسانيد ضعيفة لا تثبت.
وهذا قول عكرمة، وعطاء، ومكحول، وقتادة، والحسن، والشعبي، وسعيد
(1)
انظر: «المغني» (10/ 370)«الفتح» (باب: 6)«البيان» (10/ 97).
ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وجابر بن زيد، وسعيد بن جبير، ونافع، والأوزاعي، وأبي ثور، وخلقٍ كثير سواهم.
وحجة هذا القول ظاهر القرآن {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]؛ فإن الله تعالى ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال؛ فلا بد أن يتناوله يقينًا.
القول الثاني: أنه لغوٌ، لا شيء فيه، وهو قول مسروق، والشعبي، وأبي سلمة ابن عبدالرحمن، وحميد بن عبد الرحمن، وهو قول أهل الظاهر، واختاره الصنعاني، وحجتهم أنه تحريم منه لشيء أحله الله؛ فلا عبرة بقوله؛ فإن التحريم، والتحليل ليس له، ويشمله الآية {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]، واستدلوا بحديث «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
القول الثالث: أنها تقع عليه ثلاثًا، نقل عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عمر رضي الله عنهم، ولا يثبت عنهم ذلك، وهو قول الحسن، وابن أبي ليلى، والحكم، وحجة هذا القول أنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث؛ فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حرامًا عليه.
القول الرابع: أنه ثلاث في حق المدخول بها، وفي غير المدخول بها على ما نواه، وهذا في الزوجة لا في الأمة، وهو قول مالك.
القول الخامس: إن نَوى الطلاق؛ كان طلاقًا، وإن لم ينوه؛ فهو مولٍ، وإن نوى الكذب؛ فليس بشيء، وإن نوى الطلاق؛ فإن نواه ثلاثًا؛ وقع ذلك، وإن نواه دون
الثلاث؛ وقعت واحدة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
القول السادس: مذهب الشافعي، وتفصيله: إن نوى الطلاق؛ وقع، وعدده على ما نواه، وإن نوى الظهار؛ كان ظهارًا، وإن نوى اليمين؛ كان يمينًا، وإن نوى تحريم عينها من غير طلاق، ولا ظهار؛ فعليه كفارة يمين، وإن لم ينو شيئًا، ففيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه شيء. والثاني: يلزمه كفارة اليمين.
وإن كان أمة فنوى العتق؛ وقع، وإن نوى الظهار؛ لم يصح.
القول السابع: مذهب أحمد، أنه بإطلاقه ظهار؛ إلا أن يصرفه بنيته إلى الطلاق، أو اليمين. وعنه رواية أنه يمين بإطلاقه إلا أن يصرفه بالنية إلى الطلاق، أو الظهار. وعنه رواية ثالثة أنه ظهار بكل حال.
وحجةُ هذا القول أن الله تعالى جعل تشبيه المرأة بِأُمِّهِ المحرَّمة عليه ظهارًا، وجعله منكرًا من القول وزورًا، فإذا كان التشبيه بالمحرمة يجعله ظهارًا؛ فإذا صرح بتحريمها كان أولى بالظهار.
وممن قال بأنَّ فيه كفارة الظهار: أبو قلابة، وسعيد بن جبير، ووهب بن منبه، وعثمان التيمي، وغيرهم، وصح أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في «مصنف عبدالرزاق» (6/ 404).
القول الثامن: إن نوى ثلاثًا؛ فهي ثلاث، وإن نوى به واحدة؛ فهي واحدة بائنة، وإن نوى به يمينًا؛ فهي يمين، وإن لم ينو شيئًا؛ فهي كذبة لا شيء فيها. وهو
مذهب سفيان الثوري. وحجةُ هذا القول أن اللفظ يحتمل لما ذكر.
القول التاسع: أنه طلقة واحدة بائنة بكل حال، وهذا مذهب حماد بن أبي سليمان، وحجة هذا القول أنَّ التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث، بل يصدق بأقله، والواحدة متيقنة، فجعل اللفظ عليها؛ لأنها اليقين، فهو نظير التحريم بانقضاء العدة، وهو قول في مذهب مالك.
القول العاشر: إن نوى ثلاثًا؛ فثلاث، وإن نوى واحدة، أو لم ينو شيئًا؛ فواحدة بائنة، وهو قول إبراهيم النخعي.
القول الحادي عشر: أنه طلقة رجعية، قال ابن القيم رحمه الله: حكاه ابن الصباغ وصاحبه أبو بكر الشاشي، عن الزهري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو قولٌ في مذهب مالك.
القول الثاني عشر: الفرق بين أن يوقع التحريم منجزًا، أو معلقًا تعليقًا مقصودًا، وبين أن يخرجه مخرج اليمين؛ فالأول ظهار بكل حال، ولو نوى به الطلاق، والثاني يمين يلزمه به كفارة اليمين.
فلو قال: (أنت عليَّ حرام، أو إذا دخل رمضان فأنت علي حرام)؛ فهو ظهار، وإن قال:(إن سافرتُ، أو إن أكلتُ هذا الطعام، أو كلمتُ فلانًا؛ فامرأتي عليَّ حرام)؛ فيمين مكفرة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: وهو مقتضى المنقول عن ابن عباس؛ فإنه مرة جعله ظهارًا، ومرة جعله يمينًا.
قال ابن القيم رحمه الله في «أعلام الموقعين» : وَعَلَيْهِ يَدُلُّ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ؛ فَإِنَّهُ إذَا أَوْقَعَهُ كَانَ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا، وَكَانَ أَوْلَى بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِمَّنْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِالْمُحَرَّمَةِ، وَإِذَا حَلَفَ بِهِ كَانَ يَمِينًا مِنْ الْأَيْمَانِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالْتِزَامِ الْعِتْقِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّدَقَةِ، وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ وَالْفِقْهِ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر اللهُ لهُ: مدار هذه المسألة على الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2].
• وقد اختلف العلماء: هل سبب الآية تحريم العسل، أو تحريم أم ولده؟
والصحيح عند المحققين أنَّ الآية نزلت بالسببين كما قرر ذلك الحافظ في «الفتح» في تفسير سورة التحريم.
ولكن قوله تعالى: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} هل المراد منه أنَّ من قال: (امرأتي عليَّ حرام) يُعتبر يمينًا كما تقدم عن طائفة من أهل العلم، أو أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حرَّم ذلك على نفسه بيمينٍ حلفها؟
الذي قرره الصنعاني في هذه المسألة كما في رسالته في ذلك أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حلف مع التحريم كما في «صحيح البخاري» من حديث عائشة، وفيه قال:«فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا» .
قال: وهذا هو المعهود في القرآن في لفظ (اليمين).