الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قبل ذلك فالذي يظهر أنه ليس للولي تزويجها إلا أن يرى لها في الزواج مصلحة ظاهرة، كما أنه لا يجوز له أن ينفق مالها إلا فيما لها فيه مصلحة ظاهرة، فإذا زوجها كذلك فلا خيار لها إذا بلغت كتزويج الأب، والله أعلم.
ولكن لها أن تفسخ إذا كرهت ذلك الزواج، وبالله التوفيق.
(1)
مسألة [4]: هل للأب إجبار البكر البالغة على النكاح، وتزويجها من غير إذنها
؟
• اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنَّ الأب يجوز له تزويجها بغير إذنها وإن كرهت، واستدلوا على ذلك بحديث:«الثيب أحق بنفسها من وليها» ، فمفهومه أنَّ الأب أحق بالبكر من نفسها، وأما حديث:«لا تنكح البكر حتى تُستأذن» فبعضهم حمله على الاستحباب، وبعضهم حمله على اليتيمة، وقالوا: يبينه الحديث الآخر «لا تنكح اليتيمة حتى تُستأمر» ، وهذا القول قال به ابن أبي ليلى، والشافعي، وإسحاق، وأحمد في رواية.
• وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنه لا يجوز للأب أن يزوجها بغير إذنها، وهذا قول الأوزاعي، والثوري وأحمد في رواية، وأبي عبيد، وأبي ثور، وداود، وابن المنذر، والبخاري، وأصحاب الرأي، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الحافظ ابن القيم رحمهم الله، وعزا ابن القيم هذا القول لجمهور السلف.
واستدل أصحاب هذا القول بحديث: «لا تنكح البكر حتى تُستأذن» ،
(1)
انظر: «المغني» (9/ 402)«شرح مسلم» (9/ 206)«المفهم» (4/ 120)«الإنصاف» (8/ 60)«مجموع الفتاوى» (32/ 45 - 47، 49 - 50)«زاد المعاد» (5/ 100).
وبحديث ابن عباس رضي الله عنهما في «صحيح مسلم» : «والبكر يستأمرها أبوها
…
» الحديث، وبحديث ابن عباس وبريدة وغيرهما، وهو حسن بمجموع طرقه: أنَّ فتاة زوجها أبوها، وهي كارهة، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فخيَّرها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
(1)
وقد تكلم شيخ الإسلام، وابن القيم على هذه المسألة كلامًا جيدًا، فأجادا، ومما ذكراه أنَّ المخالف يقول:(ليس للأب أن يأخذ دينارًا واحدًا من مال ابنته وهي كارهة بدون حاجة)، فكيف يحرم ذلك، ويجوز له أن يجعلها مع بضعها تحت إنسان تبغضه، ولا تريده طوال حياتها؟!
وأيضًا الحديث الذي استدل به المخالف إنما أفاده بالمفهوم، والمنطوق مُقَدَّمٌ عليه، بل قد ذكر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نفس الحديث أنَّ البكر تُستأذن، وأمر بذلك، فكيف يُقال: إنَّ أوَّل الحديث يدل على جواز التزويج بغير استئذان، وقد دلَّ آخر الحديث على وجوب الاستئذان، فدلَّ على أنَّ التخصيص بأنَّ الثيب أحق بنفسها أراد به أمرًا آخر غير الاستئذان، وهو أنَّ البكر لكونها تستحيي لا تُطالب بالزواج، بل تخطب عند أبيها، فكان هو أحق بها من هذا الوجه، وأمَّا الثيب فلا تستحيي كاستحياء البكر، فقد تخطب إلى نفسها، وتوافق؛ فيجب على الأب أن يزوجها إذا كان خاطبها كفؤًا، وإن لم يكن راضيًا بذلك، والله أعلم.
والقول الثاني هو الصواب، وبالله التوفيق.
(2)
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» رقم (982).
(2)
انظر: «المغني» (9/ 399 - )«زاد المعاد» (5/ 95 - )«مجموع الفتاوى» (32/ 22 - )«الفتح» (5136)«البيان» (9/ 179 - ).