الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1065 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ» . رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
فيه النهي عن ضرب الرجل امرأته ضربًا شديدًا، ويدل بمفهومه على جواز ضربها ضربًا غير مبرح إذا كانت تستحق ذلك، وتستحق الضرب إذا كانت ناشزًا، عاصية لزوجها؛ لقوله تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] الآية.
وقد تقدم الكلام على بعض الأحكام المتعلقة بذلك في باب عشرة النساء، فراجعه.
مسألة ملحقة: هل كان القسم واجبًا على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أم لا
؟
يقول ربنا جل وعلا في كتابه الكريم: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]، وقد جاء في هذه الآية حديثان.
أحدهما: ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أغار على اللاتي يهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قلت: ما أرى ربك إلا يسارع لك
(1)
أخرجه البخاري برقم (5204). وهو في مسلم أيضًا (2855).
في هواك.
(1)
الثاني: ما أخرجاه أيضًا عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} ، فقالت لها معاذة: ما كنت تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليَّ؛ فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدًا.
(2)
فالحديث الأول يدل على أنَّ المراد بالآية الواهبات أنفسهن للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فيقبل من شاء منهن، ويرد من شاء، وإذا رغب بواحدة بعد ردها فلا جناح عليه في قبولها بعد ذلك، وقال بذلك جماعة من المفسرين، والفقهاء.
والحديث الثاني يدل على أنَّ المراد بالآية أنه لا حرج عليه في ترك القسم، وقال بذلك جمعٌ من المفسرين، والفقهاء.
قال ابن الجوزي رحمه الله في «زاد المسير» (6/ 407): وأكثر العلماء على أنَّ هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه، والتسوية بينهن؛ غير أنَّه كان يسوي بينهن. اهـ
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير [آية: 51 من سورة الأحزاب]: ومن هاهنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات، وفي النساء اللاتي عنده، أنه مخير فيهن، إن شاء قسم، وإن شاء لم يقسم. وهذا الذي اختاره حسنٌ جيدٌ قويٌّ، وفيه
(1)
أخرجه البخاري برقم (4788)، ومسلم برقم (1464).
(2)
أخرجه البخاري (4789)، ومسلم برقم (1476).
جمع بين الأحاديث؛ ولهذا قال تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب:51]، أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحَرَج في القسم؛ فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم، لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أنت تقسم لهن اختيارًا منك لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به، وحملن جميلك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن، وتسويتك بينهن، وإنصافك لهن، وعدلك فيهن. انتهى.
قال أبو عبد الله غفر اللهُ لهُ: الآية تشمل الأمرين؛ بدلالة الحديثين المتقدمين، والله أعلم.