الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
مسألة [1]: طلاق الهازل
.
الهازل: هو الذي يتلفظ بالطلاق قاصدًا التلفظ به، عالمًا معناه؛ إلا أنه لا يريد وقوعه.
قال ابن المنذر رحمه الله في كتابه «الإجماع» : وأجمعوا على أنَّ جد الطلاق وهزله سواء. اهـ
ونقله ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 373) ولم يتعقب عليه بشيء، بينما عزا هذا القول ابن القيم رحمه الله للجمهور.
قال رحمه الله في «أعلام الموقعين» (3/ 136): فَأَمَّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَيَقَعُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّصُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ لَازِمٌ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ لَا يَجُوزُ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فَإِنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ، وَلَا نِكَاحٌ، وَلَا طَلَاقٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْهَازِلِ وَتَصَرُّفَاتُهُ الْمَالِيَّةُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَكْثَرِ
أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ: يَصِحُّ بَيْعُهُ كَطَلَاقِهِ، وَخَرَّجَهَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ؛ قَاسَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ.
قال: وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْهَازِلَ أَتَى بِالْقَوْلِ غَيْرَ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِهِ، وَتَرْتِيبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ لِلشَّارِعِ لَا لِلْعَاقِدِ، فَإِذَا أَتَى بِالسَّبَبِ؛ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، شَاءَ أَمْ أَبَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلْقَوْلِ مَرِيدٌ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِمَعْنَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَقَصْدُ اللَّفْظِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْمَعْنَى قَصْدٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى؛ لِتَلَازُمِهِمَا، إلَّا أَنْ يُعَارِضَهُ قَصْدٌ آخَرُ، كَالْمُكْرَهِ، وَالْمُخَادِعِ الْمُحْتَالِ؛ فَإِنَّهُمَا قَصَدَا شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَعْنَى الْقَوْلِ وَمُوجِبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكْرَهَ قَصَدَ دَفْعَ الْعَذَابِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّبَبَ ابْتِدَاءً، وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ إعَادَتَهَا إلَى الْمُطَلِّقِ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِقَصْدِهِ مُوجِبَ السَّبَبَ، وَأَمَّا الْهَازِلُ فَقَصَدَ السَّبَبَ وَلَمْ يَقْصِدْ حُكْمَهُ، وَلَا مَا يُنَافِي حُكْمَهُ؛ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. اهـ المراد
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام كما في «مجموع الفتاوى» (33/ 239)، والإمام الشوكاني كما في «السيل» و «وبل الغمام» ، والإمام ابن باز كما في «فتاوى اللجنة الدائمة» (20/ 65)، والإمام ابن عثيمين كما في «الشرح الممتع» .
• وذهب بعضهم إلى أنه لا يُعدُّ طلاقًا، وهو الصحيح؛ لحديث:«إنما الأعمال بالنيات» ، وقوله تعالى:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227]، وهذا القول قال به بعض المالكية كما أشار إلى ذلك ابن القيم في كلامه المتقدم، وهو
ظاهر اختيار البخاري، وعزاه الماوردي في «الحاوي الكبير» (10/ 154) إلى داود الظاهري، وهو ظاهر اختيار ابن حزم كما في «المحلى» (1672)(1960)، وهذان الأخيران كلامهم صريح في أنَّ الطلاق الصريح يحتاج إلى نية، فيحتمل دخول الهازل في كلامهم، وعن أحمد رواية أيضًا بأنَّ صريح الطلاق لابد له من نية أيضًا.
(1)
(1)
انظر: «الإنصاف» (6/ 464)«ابن أبي شيبة» (5/ 105 - )«مصنف عبدالرزاق» (6/ 133)«زاد المعاد» (5/ 204).