الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي هو موضع الأذى.
قال ابن القيم رحمه الله -بعد أن ذكر الأدلة في تحريم ذلك-: ومن ههنا نشأ الغلط على من نُقِل عنه الإباحة من السلف، والأئمة؛ فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقًا إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع (من) بـ (في)، ولم يظن بينهما فرقًا، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة؛ فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط، وأفحشه. اهـ
(1)
مسألة [2]: المباشرة بين الإليتين بغير إيلاج
.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 228): ولا بأس بالتلذذ بين الإليتين من غير إيلاج؛ لأنَّ السنة إنما وردت بتحريم الدبر، فهو مخصوص بذلك، ولأنه حرم لأجل الأذى، وذلك مخصوص بالدبر؛ فاختص التحريم به. اهـ
(2)
(1)
انظر: «زاد المعاد» (4/ 256 - 263)«الفتح» (4526)«مجموع الفتاوى» (32/ 265 - 268)«تفسير ابن كثير» [آية:223] من سورة البقرة، «المغني» (10/ 226)«البيان» (9/ 504).
(2)
وانظر: «البيان» (9/ 505).
1015 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهُ كَسَرْته، وَإِنْ تَرَكْته لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(1)
وَلِمُسْلِمٍ: «فَإِنِ اسْتَمْتَعْت بِهَا اسْتَمْتَعْت بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمُهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» .
الحكم المستفاد من الحديث
قوله: «فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ» .
قال النووي رحمه الله (10/ 57): وفيه دليل لما يقوله الفقهاء، أو بعضهم أنَّ حواء خُلِقَت من ضلع آدم، قال الله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1]، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها خُلِقت من ضِلَع. اهـ
قال الحافظ رحمه الله: فكان المعنى أنَّ النساء خُلِقن من أصل خلق، من شيء معوج، وهذا لا يخالف الحديث الماضي من تشبيه المرأة بالضلع، بل يُستفاد من هذا نكتة التشبيه، وأنها عوجاء مثله؛ لكون أصلها منه. اهـ
قال النووي رحمه الله (10/ 57): وفي هذا الحديث ملاطفة النساء، والإحسان
(1)
أخرجه البخاري (5185، 5186)، ومسلم (1468)(62)(47).
إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها، والله أعلم. اهـ
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (5186): وفي الحديث الندب إلى المداراة؛ لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، وأنَّ من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بهن لا يتم إلا بالصبر عليهن. اهـ
1016 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ:«أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا يَعْنِي عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا» .
الحكم المستفاد من الحديث
الطُّروق بالضم للمهملة، قال أهل اللغة: هو المجيء بالليل من سفر، أو من غيره على غفلة، ويقال لكل آت بالليل طارق، ولا يقال بالنهار إلا مجازًا، وسُمِّي الآتي بالليل طارقًا؛ لأنه يحتاج غالبًا إلى دق الباب.
وقوله في الحديث: «إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الغَيْبَةَ» تقييده بطول الغيبة، يشير إلى أنَّ علة النهي إنما توجد حينئذٍ، فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والعلة في ذلك هي ما ذُكِر في الحديث «لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» ؛ فإنَّ الرجل قد يجد امرأته على غير أُهبة من التنظف، والتزين المطلوب من المرأة؛ فيكون ذلك سببًا لنفرته عنها، ويؤخذ من ذلك كراهة مباشرة المرأة في الحال التي تكون فيها غير متنظفة؛ لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته عنها.
وذكر أهل العلم من العلل في النهي عن ذلك أن يكون الحامل له على ذلك تخونهم، والتماس عثرتهم، وجاء ذلك في رواية في «صحيح مسلم» ، لكن قال
(1)
أخرجه البخاري (5245)(5244)، ومسلم عقب حديث (1928).
سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا؟ فالظاهر أنها زيادة مدرجة، فقد رواه شعبة عن شيخ سفيان بدون الزيادة.
وعُلِمَ من الحديث أنَّ من أعلم أهله بقدومه لا يتناوله النهي، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر شرح الحديث من «الفتح» و «شرح مسلم» .
1017 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (1437): وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَحْرِيم إِفْشَاء الرَّجُل مَا يَجْرِي بَيْنه وَبَيْن اِمْرَأَته مِنْ أُمُور الِاسْتِمْتَاع، وَوَصْف تَفَاصِيل ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي مِنْ الْمَرْأَة فِيهِ مِنْ قَوْل، أَوْ فِعْل وَنَحْوه. فَأَمَّا مُجَرَّد ذِكْر الْجِمَاع؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَائِدَة، وَلَا إِلَيْهِ حَاجَة فَمَكْرُوه؛ لِأَنَّهُ خِلَاف الْمُرُوءَة. وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَلله وَالْيَوْم الْآخِر؛ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت»
(2)
، وَإِنْ كَانَ إِلَيْهِ حَاجَة، أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَة، بِأَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ إِعْرَاضه عَنْهَا، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْز عَنْ الْجِمَاع أَوْ نَحْو ذَلِكَ؛ فَلَا كَرَاهَة فِي ذِكْره كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لَأَفْعَلَهُ أَنَا وَهَذِهِ»
(3)
، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي طَلْحَة:«أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَة؟»
(4)
، وَقَالَ لِجَابِرٍ:«الْكَيْس الْكَيْس»
(5)
،
(1)
أخرجه مسلم برقم (1437). من طريق عمر بن حمزة عن عبدالرحمن بن سعد عن أبي سعيد به، وعمر بن حمزة ضعيف، ضعفه ابن معين، والنسائي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير.
وهذا الحديث ذكر الذهبي في «الميزان» أنه مما استنكر عليه.
(2)
أخرجه البخاري برقم (6018)، ومسلم برقم (47)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم برقم (350)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
أخرجه البخاري برقم (5470)، ومسلم برقم (2144)، عن أنس رضي الله عنه.
(5)
أخرجه البخاري (5245)، ومسلم برقم (57)، من [كتاب الرضاع].
وَاَللهُ أَعْلَم. اهـ
قلتُ: وقد جاء في تحريم ذلك حديث آخر وهو أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأةً تخبر بما فعلت مع زوجها» فأرم القوم، فقالت امرأة: يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلن، فقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريقٍ فغشيها والناس ينظرون» .
أخرجه أحمد (6/ 456 - 457) من حديث أسماء بنت يزيد، وفي إسناده: شهر ابن حوشب، فيه ضعفٌ، وحفص بن أبي حفص السراج، ترجمته في «تعجيل المنفعة» ، وهو مجهول الحال.
وله شاهد عند أحمد (10977) من حديث أبي هريرة، والراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه مبهم.
وله شاهد من حديث أبي سعيد، أخرجه البزار كما في «كشف الأستار» (1450)، وفي إسناده شيخ البزار: روح بن حاتم أبو غسان، ترجمته في «الميزان» و «اللسان» ، قال ابن معين: ليس بشيء.
وقد حسَّن الإمام الألباني رحمه الله هذا الحديث في «آداب الزفاف» بمجموع هذه الطرق، وهو كذلك، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «آداب الزفاف» (ص 143 - 144).