الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: هل عليه أن يقضي للمقيمة المدة التي سافر فيها بالأخرى
.
• أما إذا سافر بها بقرعة فعامة أهل العلم على أنه لا قضاء عليه، وخالف داود الظاهري فقال: عليه القضاء. وليس ذلك بصحيح؛ فإنه لم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه كان يقضي للمقيمات، ولو فعل ذلك؛ لَنُقِل، ولأنه لو قضى للمقيمة؛ لكان مفضلًا لها على المسافرة؛ لأنه لا يحصل لها من السكن، والراحة في السفر كما يحصل للمقيمة، ورجَّح ابن حزم قول الجمهور.
• وأما إذا سافر بإحداهن بغير قرعة، فاختلفوا في ذلك، فذهب أبو حنيفة، ومالك إلى عدم القضاء؛ لأنَّ قسم الحضر ليس بمثلٍ لقسم السفر، فيتعذر القضاء، ولأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يقض.
• ومذهب أحمد، والشافعي، والظاهرية أنه يقضي للمقيمة؛ لأنه خصَّ بعضهنَّ بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه، ولأنه فضل بلا قرعة، وهذا القول أقرب.
قال ابن قدامة رحمه الله: إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَضَاءُ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا يَقْضِي مِنْهَا مَا أَقَامَ مِنْهَا مَعَهَا بِمَبِيتٍ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا زَمَانُ السَّيْرِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْهُ إلَّا التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ، فَلَوْ جَعَلَ لِلْحَاضِرَةِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مَبِيتًا عِنْدَهَا، وَاسْتِمْتَاعًا بِهَا؛ لَمَالَ كُلَّ الْمَيْلِ. اهـ
(1)
تنبيه: قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (5211): وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ الْإِطْلَاق فِي تَرْكِ الْقَضَاء فِي السَّفَر مَا دَامَ اِسْم السَّفَر مَوْجُودًا، فَلَوْ سَافَرَ إِلَى بَلْدَة فَأَقَامَ بِهَا
(1)
انظر: «المغني» (10/ 253)«زاد المعاد» (5/ 152)«المحلى» (1904)«الفتح» (5211).
زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ سَافَرَ رَاجِعًا؛ فَعَلَيْهِ قَضَاء مُدَّة الْإِقَامَة، وَفِي مُدَّة الرُّجُوع خِلَاف عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَالْمَعْنَى فِي سُقُوط الْقَضَاء أَنَّ الَّتِي سَافَرَتْ وَفَازَتْ بِالصُّحْبَةِ لَحِقَهَا مِنْ تَعَب السَّفَر وَمَشَقَّته مَا يُقَابِل ذَلِكَ، وَالْمُقِيمَة عَكْسهَا فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا. اهـ
وقد نصَّ على ذلك أيضًا ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 254)، والعِمراني في «البيان» (9/ 523).
تفريعات:
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 253 - 254): إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُنَّ؛ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا، وَلَهُ تَرْكُهَا وَالسَّفَرُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تُوجِبُ، وَإِنَّمَا تُعَيِّنُ مَنْ تَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ. وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بِغَيْرِهَا؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالْقُرْعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَإِنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا؛ جَازَ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، فَصَحَّتْ هِبَتُهَا لَهُ، كَمَا لَوْ وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا فِي الْحَضَرِ. وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَى الزَّوْجِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي هِبَةِ اللَّيْلَةِ فِي الْحَضَرِ. وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ، أَوْ لِلْجَمِيعِ؛ جَازَ. وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ السَّفَرِ مَعَهُ؛ سَقَطَ حَقُّهَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِنْ أَبَى، فَلَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ، أَسْتَأْنَفَ الْقُرْعَةَ بَيْنَ الْبَوَاقِي. وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَاتُ كُلُّهُنَّ بِسَفَرِ وَاحِدَةٍ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ، إلَّا أَنْ لَا يَرْضَى الزَّوْجُ، وَيُرِيدَ غَيْرَ مَنْ اتَّفَقْنَ عَلَيْهَا، فَيُصَارُ إلَى الْقُرْعَةِ. اهـ