الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِث هُوَ الْمَدْعُوّ فِي الْأَوَّل، وَكَذَا صَوَّرَهُ الرُّويَانِيّ، وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ إِطْلَاق كَوْنه رِيَاء وَسُمْعَة يُشْعِر بِأَنَّ ذَلِكَ صُنِعَ لِلْمُبَاهَاةِ، وَإِذَا كَثُرَ النَّاس فَدَعَا فِي كُلّ يَوْم فِرْقَة؛ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مُبَاهَاة غَالِبًا، وَإِلَى مَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّة، قَالَ عِيَاض: اِسْتَحَبَّ أَصْحَابنَا لِأَهْلِ السَّعَة كَوْنهَا أُسْبُوعًا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضهمْ: مَحَلّه إِذَا دَعَا فِي كُلّ يَوْم مَنْ لَمْ يُدْعَ قَبْله وَلَمْ يُكَرِّر عَلَيْهِمْ. وَهَذَا شَبِيه بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرُّويَانِيّ، وَإِذَا حَمَلْنَا الْأَمْر فِي كَرَاهَة الثَّالِث عَلَى مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ رِيَاء، وَسُمْعَة، وَمُبَاهَاة كَانَ الرَّابِع وَمَا بَعْده كَذَلِكَ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر اللهُ لهُ: من دُعي مرة أخرى في اليوم الثاني وما بعده فلا يجب عليه الحضور؛ لأنه قد أجاب في اليوم الأول، وأدَّى الواجب، وإن علم فيهم فخرًا، ورياء، وسمعة؛ فيكره له الحضور.
وأما من دُعي في اليوم الثاني، أو الثالث، ولم يكن قد دُعي قبل ذلك، أو حضر؛ فيجب عليه الحضور، والله أعلم.
(1)
مسألة [2]: هل يجوز دخول بيت فيه تصاوير في غير دعوة الوليمة
؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 202): فَأَمَّا دُخُولُ مَنْزِلٍ فِيهِ صُورَةٌ؛ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجَلِهِ؛ عُقُوبَةً لِلدَّاعِي، بِإِسْقَاطِ حُرْمَتِهِ؛ لِإِيجَادِهِ الْمُنْكَرَ فِي دَارِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ فِي مَنْزِلِ الدَّاعِي الْخُرُوجُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: إذَا رَأَى صُوَرًا عَلَى السِّتْرِ لَمْ
(1)
انظر: «الفتح» (5173)«البيان» (9/ 548)«المغني» (10/ 194 - )«الإنصاف» (8/ 320).
يَكُنْ رَآهَا حِينَ دَخَلَ؟ قَالَ: هُوَ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجِدَارِ. قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَرَهُ إلَّا عِنْدَ وَضْعِ الْخِوَانُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أَيَخْرُجُ؟ فَقَالَ: لَا تُضَيِّقْ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ إذَا رَأَى هَذَا وَبَّخَهُمْ وَنَهَاهُمْ. يَعْنِي لَا يَخْرُجُ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهَا تَنَزُّهًا، وَلَا يَرَاهَا مُحَرَّمَةً. وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إذَا كَانَتْ الصُّوَرُ عَلَى السُّتُورِ، أَوْ مَا لَيْسَ بِمَوْطُوءٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا، لَمَا جَازَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ الْوَاجِبَةِ مِنْ أَجْلِهِ. اهـ
ثم استدل ابن قدامة لترجيح مذهبه بدخول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الكعبة وفيها صور
(1)
، وبأثر عمر رضي الله عنه في شروطه على أهل الذمة بأن يوسعوا أبواب كنائِسِهم
(2)
، وبِيَعِهِم؛ ليدخلها المسلمون للمبيت فيها، والمارة بدوابهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلِأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَكَذَلِكَ الْمَنَازِلُ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُهُ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ عَلَيْنَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسٌ مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُهُمْ.
قال: وَإِنَّمَا أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعْوَةِ مِنْ أَجْلِهِ عُقُوبَةً لِفَاعِلِهِ، وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. اهـ
(1)
أخرجه أيضًا البخاري (1601) عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أبى أن يدخل البيت، وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط» . وهذا الحديث واضح أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل إلا بعد أن طهرت الكعبة من الصور.
(2)
حسن بطرقه. انظر تخريجه في تحقيقنا للمغني لابن قدامة، نسأل الله عز وجل أن ييسر طبعه ونشره في كتاب الجزية، تحت المسألة رقم (1700).
فائدة: من الأعذار في ترك إجابة الدعوة في الوليمة أن يكون طعام صاحب الوليمة من مكسب حرام، أو يكون المدعو في مكان بعيد يشق عليه الحضور، أو يستأذن المدعو من الداعي بالتخلُّف، فيأذن له في ذلك.
1046 -
وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
1047 -
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَّا أَنْ أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ.
(2)
الحكم المستفاد من الحديثين
في هذين الحديثين دلالة على أنَّ الوليمة تجزئ بما تيسر، ولا يُشترط فيها أن يذبح شاة، ولكن المستحب للمستطيع أن لا يقل عن شاة؛ لحديث:«أولم ولو بشاة» .
(1)
أخرجه البخاري برقم (5172).
(2)
أخرجه البخاري (5085)، ومسلم (1365).