الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: اعتبار الكفاءة في الرجل المتزوج
.
لخَّصَ ابن القيم رحمه الله هذه المسألة بكلام نفيس في «زاد المعاد» (5/ 158 - 161).
فقال رحمه الله: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الْحُجُرَاتُ: 13]، وَقَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الْحُجُرَاتُ:10]، وَقَالَ:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوْبَةُ:71]، وَقَالَ تَعَالَى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آلُ عِمْرَانَ:195].
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيّ عَلَى عَجَمِيّ وَلَا لِعَجَمِيّ عَلَى عَرَبِيّ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ إلّا بِالتّقْوَى النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»
(1)
، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنّ آلَ بَنِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتّقُونَ حَيْثُ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا» .
(2)
(1)
أخرجه أحمد (5/ 411) بإسناد صحيح عن صحابي مبهم، وصححه شيخنا الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» رقم (1523).
(2)
أوله في «البخاري» برقم (5990)، ومسلم برقم (215)، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وبقية لفظه: «
…
، إنما ولي الله وصالح المؤمنين»، وأما قوله: «إنَّ أوليائي المتقون
…
»، فقد أخرجه أحمد (5/ 235)، وابن أبي عاصم في «السنة» (ص 93)، وإسناده صحيح، وصححه شيخنا الوادعي رحمه الله في «الصحيح المسند» (1108).
وَفِي «التّرْمِذِيّ» عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَأَنْكِحُوهُ إلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ فَقَالَ:«إذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَأَنْكِحُوهُ» ثَلَاثَ مَرّاتٍ.
(1)
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي بَيَاضَةَ: «أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ، وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ» ، وَكَانَ حَجّامًا، وَزَوّجَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الْقُرَشِيّةَ مِنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ، وَزَوّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ الْفِهْرِيّةَ الْقُرَشِيّةَ مِنْ أُسَامَةَ ابْنِهِ، وَتَزَوّجَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ بِأُخْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النّورُ:26]، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النّسَاءُ:3].
فَاَلّذِي يَقْتَضِيهِ حُكْمُهُ صلى الله عليه وسلم اعْتِبَارُ الدّينِ فِي الْكَفَاءَةِ أَصْلًا، وَكَمَالًا، فَلَا تُزَوَّجُ مُسْلِمَةٌ بِكَافِرٍ، وَلَا عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الْقُرْآنُ وَالسّنّةُ فِي الْكَفَاءَةِ أَمْرًا وَرَاءَ
(1)
ضعيف. أخرجه الترمذي (1085)، من طريق: عبدالله بن مسلم بن هرمز، عن محمد، وسعيد ابني عبيد، عن أبي حاتم المزني، به. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبدالله بن مسلم، وجهالة محمد، وسعيد. وله طريق أخرى عند الترمذي (1084)، والحاكم (2/ 164 - )، من طريق: عبدالحميد بن سليمان، عن محمد بن عجلان، عن ابن وثيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.
قال الترمذي رحمه الله: قد خولف عبدالحميد بن سليمان؛ فرواه الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. قال محمد -يعني البخاري-: وحديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبدالحميد محفوظًا. اهـ
قلتُ: فالراجح أنَّ الحديث منقطع؛ لأنَّ ابن عجلان لم يدرك أبا هريرة.
وقد جاء الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما، عند ابن عدي (5/ 1728)، وفي إسناده: عمار بن مطر، كذاب متروك، وقال ابن عدي: في أحاديثه عن مالك بواطيل.
قلتُ: فالحديث ضعيف، ولا يرتقي إلى الحسن، والله أعلم.
ذَلِكَ؛ فَإِنّهُ حَرّمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ نِكَاحَ الزّانِي الْخَبِيثِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَسَبًا، وَلَا صِنَاعَةٌ، وَلَا غِنًى، وَلَا حُرّيّةً؛ فَجَوّزَ لِلْعَبْدِ الْقِنّ نِكَاحَ الْحُرّةِ النّسِيبَةِ الْغَنِيّةِ إذَا كَانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا، وَجَوّزَ لِغَيْرِ الْقُرَشِيّينَ نِكَاحَ الْقُرَشِيّات، وَلِغَيْرِ الْهَاشِمِيّينَ نِكَاحَ الْهَاشِمِيّاتِ، وَلِلْفُقَرَاءِ نِكَاحَ الْمُوسِرَاتِ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوْصَافِ الْكَفَاءَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ: إنّهَا الدِّين. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِنَّها ثَلَاثَة: الدِّيْنُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ النّسَبُ وَالدّينُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هِيَ الدّينُ وَالنّسَبُ خَاصّةً. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: هِيَ خَمْسَةٌ: الدّينُ، وَالنّسَبُ، وَالْحُرّيّةُ، وَالصّنَاعَةُ، وَالْمَالُ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا النّسَبُ فَعَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنّ الْعَرَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ. الثّانِيَةُ: أَنّ قُرَيْشًا لَا يُكَافِئُهُمْ إلّا قُرَشِيّ، وَبَنُو هَاشِمٍ لَا يُكَافِئُهُمْ إلّا هَاشِمِيّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ: يُعْتَبَرُ فِيهَا الدّينُ، وَالنّسَبُ، وَالْحُرّيّةُ، وَالصّنَاعَةُ، وَالسّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُنَفّرَةِ. وَلَهُمْ فِي الْيَسَارِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: اعْتِبَارُهُ فِيهَا، وَإِلْغَاؤُهُ، وَاعْتِبَارُهُ فِي أَهْلِ الْمُدُنِ دُونَ أَهْلِ الْبَوَادِي، فَالْعَجَمِيّ لَيْسَ عِنْدَهُمْ كُفْئًا لِلْعَرَبِيّ، وَلَا غَيْرُ الْقُرَشِيّ لِلْقُرَشِيّةِ، وَلَا غَيْرُ الْهَاشِمِيّ لِلْهَاشِمِيّةِ، وَلَا غَيْرُ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَالصّلَحَاءِ الْمَشْهُورِينَ كُفْئًا لِمَنْ لَيْسَ مُنْتَسِبًا إلَيْهِمَا، وَلَا الْعَبْدُ كُفْئًا لِلْحُرّةِ، وَلَا الْعَتِيقُ كُفْئًا لِحُرّةِ الْأَصْلِ، وَلَا مَنْ مَسّ الرّقّ أَحَدَ آبَائِهِ كُفْئًا لِمَنْ لَمْ يَمَسّهَا رِقّ وَلَا أَحَدًا مِنْ آبَائِهَا، وَفِي تَأْثِيرِ رِقّ الْأُمّهَاتِ وَجْهَانِ، وَلَا مَنْ بِهِ عَيْبٌ
مُثْبِتٌ لِلْفَسْخِ كُفْئًا لِلسّلِيمَةِ مِنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ، وَكَانَ مُنَفّرًا كَالْعَمَى، وَالْقَطْعِ، وَتَشْوِيهِ الْخِلْقَةِ، فَوَجْهَانِ. وَاخْتَارَ الرّويَانِيّ أَنّ صَاحِبَهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ، وَلَا الْحَجّامُ، وَالْحَائِكُ، وَالْحَارِسُ كُفْئًا لِبِنْتِ التّاجِرِ، وَالْخَيّاطِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا المُحْتَرِفُ لِبِنْتِ الْعَالِمِ، وَلَا الْفَاسِقُ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ، وَلَا الْمُبْتَدِعُ لِلسّنّيّةِ، وَلَكِنْ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ حَقّ لِلْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ.
ثُمّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَصْحَابُ الشّافِعِيّ: هِيَ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي الْحَالِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: حَقّ لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ، فَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: إنّهَا حَقّ الله، فَلَا يَصِحّ رِضَاهُمْ بِإِسْقَاطِهِ، وَلَكِنْ عَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ لَا تُعْتَبَرُ الْحُرّيّةُ، وَلَا الْيَسَارُ، وَلَا الصّنَاعَةُ، وَلَا النّسَبُ، إنّمَا يُعْتَبَرُ الدّينُ فَقَطْ؛ فَإِنّهُ لَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ العُلَمَاءِ إِنَّ نِكَاحَ الْفَقِيرِ لِلْمُوسِرَةِ بَاطِلٌ، وَإِنْ رَضِيَت، وَلَا يَقُولُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ: إنّ نِكَاحَ الْهَاشِمِيّةِ لِغَيْرِ الْهَاشِمِيّ، وَالْقُرَشِيّةِ لِغَيْرِ الْقُرَشِيّ بَاطِلٌ. وَإِنّمَا نَبّهْنَا عَلَى هَذَا؛ لِأَنّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْكُونَ الْخِلَافَ فِي الْكِفَاءَةِ: هَلْ هِيَ حَقّ لله أَوْ لِلْآدَمِيّ؟ وَيُطْلِقُونَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنّ الْكَفَاءَةَ هِيَ الْخِصَالُ الْمَذْكُورَةُ. وَفِي هَذَا مِنْ التّسَاهُلِ وَعَدَمِ التّحْقِيقِ مَا فِيهِ. انتهى كلامه رحمه الله بنِصِّه.
وخلاصة ما تقدم: أنَّ الصحيح أنَّ المعتبر بالكفاءة هو الدين، أما أصلًا فمجمع عليه؛ فلا تزوج المسلمة بكافر، وأما كمالًا؛ فعامة أهل العلم على اعتباره إلا أنَّ محمد بن الحسن لم يعتبر الدين إلا أن يكون ممن يسكر، ويخرج، ويسخر
منه الصبيان.
وجمهور أهل العلم لا يعدون الكفاءة شرطًا للنكاح، بل شرطًا للزومه، وعن أحمد رواية أنَّ ذلك شرطًا لصحته، وقد أشار إلى ذلك ابن القيم كما تقدم.
وحق الفسخ عند الجمهور للمرأة والأولياء، ولكن عند الشافعي، ومالك أنَّ الفسخ للأولياء الذين يستحقون العقد حالًا، وعند أحمد: جميع الأولياء من قَرُبَ منهم، ومن بَعُدَ.
وقال أبو حنيفة: إذا رضيت المرأة، وبعض الأولياء لم يكن للباقين الفسخ.
وقد نبَّه الإمام ابن عثيمين رحمه الله على أنَّ الفسخ بكل فسق محل نظر، وأشار إلى أنَّ الفسق الذي يفسخ فيه ما فيه ضرر على المرأة في دينها، ومثَّل على ذلك بشرب الخمر.
قلتُ: وتقدم اعتبار أن يكون عفيفًا، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (9/ 387 - )«الفتح» (5088)(5092).