الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْل فِيمَا إِذَا حَصَلَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
مسألة [1]: إذا ادَّعى كل من الرجل والمرأة على صاحبه النشوز
؟
إذا وقع بين الزوجين شقاق، نظر الحاكم؛ فإن بان له أنه من المرأة؛ فهو نشوز، وقد مضى حكمه، وإن بان أنه من الرجل؛ منع من ذلك، أو أصلح بينه وبين المرأة؛ لقوله تعالى:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].
وإن لم يتبين للحاكم، وادَّعى كل واحد على الآخر الظلم؛ فيبعث الحاكم حكمًا من أهل الرجل، وحكمًا من أهل المرأة، فيسمعان من الرجل والمرأة، وينظران في أمرهما، ثم يفعلان ما يريان المصلحة فيه، من جمعٍ، أو تفريق؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
(1)
مسألة [2]: هل الرجلان حكمان، أم وكيلان للرجل والمرأة
؟
• ذهب بعض أهل العلم إلى أنهما وكيلان للزوجين، وهو قول عطاء، والحسن، وأبي حنيفة، والشافعي في قول، وأحمد في رواية، فلا يملكان التفريق إلا بإذنهما؛ وذلك لأنَّ الطلاق بيد الزوج، وبذل العوض بيد المرأة، فافتقر إلى
(1)
انظر: «المغني» (10/ 263 - )«البيان» (9/ 532 - ) تفسير الآية من ابن كثير، والقرطبي.
رضاهما، واستدلوا بأثر علي رضي الله عنه أنه قال للحكمين: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعليَّ. وقال الرجل: أما الجمع، فنعم، وأما الفرقة فلا. فقال علي: كذبت، لا والله، لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به. وإسناده صحيح.
• وذهب أكثر أهل العلم إلى أنهما حكمان من قبل الحاكم لا يفتقر حكمهما إلى إذن الزوجين، صحَّ ذلك عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم، وهو قول الشعبي، والنخعي، وسعيد بن جبير، ومالك، والأوزاعي، وإسحاق، وأحمد في رواية، وقول للشافعي، واختاره شيخ الإسلام، وابن القيم، وهو الصحيح؛ لأنَّ الله سمَّاهما حكمين، ولم يعتبر رضى الزوجين، وقد قال علي رضي الله عنه كما تقدم: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. وهذا صريح في أنَّ الأمر إليهما، واستدلالهم بقول الرجل غير صحيح؛ فإنَّ عليًّا رضي الله عنه لم يطلب من الرجل أن يأذن، بل ألزمه بقبول حكم الله في ذلك.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (5/ 190 - ): وَالْعَجَبُ كُلّ الْعَجَبِ مِمّنْ يَقُولُ هُمَا وَكِيلَانِ لَا حَاكِمَانِ، وَاَللهُ تَعَالَى قَدْ نَصّبَهُمَا حَكَمَيْنِ، وَجَعَلَ نَصْبَهُمَا إلَى غَيْرِ الزّوْجَيْنِ، وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ؛ لَقَالَ:(فَلْيَبْعَثْ وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهِ وَلْتَبْعَثْ وَكِيلًا مِنْ أَهْلِهَا)، وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ؛ لَمْ يَخْتَصّا بِأَنْ يَكُونَا مِنْ الْأَهْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ الْحُكْمَ إلَيْهِمَا، فَقَالَ:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ، وَالْوَكِيلَانِ لَا إرَادَةَ لَهُمَا، إنّمَا يَتَصَرّفَانِ بِإِرَادَةِ مُوَكّلَيْهِمَا، وَأَيْضًا فَإِنّ الْوَكِيلَ لَا يُسَمّى حَكَمًا فِي لُغَةِ