الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} قالوا: المقصود به الجماع، ولا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه، والصائم يحرم منه الوطء دون دواعيه، والمسبية قبل استبرائها يحرم وطؤها دون دواعيه.
(1)
مسألة [22]: متى تجب عليه الكفارة
؟
• ذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ الكفارة تجب بمجرد الظهار، وهذا قول طاوس، ومجاهد، والزهري، وقتادة، وعثمان البتي.
قال ابن القيم رحمه الله: وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ أَنّ الْعَوْدَ شَرْطٌ فِي الْكَفّارَةِ، وَلَكِنْ الْعَوْدُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْعَوْدُ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ. انتهى
وقولهم خلاف ظاهر الآية، وقد رده ابن القيم من ثلاثة أوجه كما في «زاد المعاد» .
• وذهب عامة أهل العلم إلى أنَّ الكفارة تجب بالعود؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الآية.
• ثم اختلفوا في المقصود بالعود على أقوال:
القول الأول: أنَّ المقصود به الوطء. حُكي ذلك عن الحسن، والزهري، وأحمد، وهو الأشهر عند الحنابلة، وهو قول أبي حنيفة، ومالك في رواية، واختاره شيخ الإسلام، وابن القيم.
(1)
انظر: «المغني» (11/ 67)«زاد المعاد» (5/ 337 - 338)«القرطبي» (17/ 283).
وقال هؤلاء: العود هو فعل ضد قوله، ومنه العائد في هبته، هو الراجع في الموهوب، والعائد في عدته، أي: التارك للوفاء بما وعد، والعائد فيما نُهي عنه فاعل المنهي عنه، قال الله تعالى:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8]، فالمظاهر محرم للوطء على نفسه، ومانع لها منه؛ فالعود فعله.
وهؤلاء يقولون: المقصود بقوله {ثُمَّ يَعُودُونَ} أي: يريدون العود، فيبدأ بالتكفير، ثم يطأ؛ لقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} .
القول الثاني: أنَّ العود هو مجرد العزم على الوطء، وإن لم يطأ، وهو قول جماعة من الحنابلة، منهم: أبو يعلى، ومالك، وأبي عبيد؛ لأنَّ الله تعالى قال:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} ، وهذا صريح في أنَّ العود غير التماس.
وقالوا: ما يحرم قبل الكفارة لا يجوز كونه متقدمًا عليها، قالوا: ولأنَّ الظهار تحريم، والعزم على وطئها إرادة للاستباحة؛ فيكون عودًا عن التحريم.
واختلف هؤلاء فيما إذا ماتت، أو طلق بعد العزم قبل الوطء:
• فمذهب الحنابلة أنه لا تجب عليه الكفارة.
• ومذهب مالك، وأبي عبيد، وبعض الحنابلة أن عليه الكفارة.
القول الثالث: أنَّ إمساكها بعد الظهار مدة يستطيع أن يطلقها فيها يوجب عليه الكفارة، وهو قول الشافعي وأصحابه.
القول الرابع: أنَّ المراد بالعود هو إعادة الظهار، والتلفظ به مرة أخرى، وهو قول الظاهرية.
وقالوا: العود في الشيء هو فعله مرة أخرى، هذا الذي يعقل في لغة العرب {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28] {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله على الأقوال المخالفة في هذه المسألة كما في «زاد المعاد» .
أما أصحاب القول الثاني فيلزمهم أنه لو طلق، أو ماتت المرأة بعد أن عزم فعليه الكفارة، وكيف تجب عليه الكفارة وهو لم يحنث؟
وأما قول الشافعي: إنه مجرد الإمساك
…
فقال ابن القيم رحمه الله: قَالَ مُنَازِعُوهُ يعني الذي يقول فيه (أنت طالق) إِنّ هَذَا النّفَسَ الْوَاحِدَ لَا يُخْرِجُ الظّهَارَ عَنْ كَوْنِهِ مُوجَبَ الْكَفّارَةِ، فَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُوجِبْ الْكَفّارَةَ إلّا لَفْظُ الظّهَارِ، وَزَمَنُ قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ) لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ إيجَابًا وَلَا نَفْيًا، فَتَعْلِيقُ الْإِيجَابِ بِهِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا تُسَمّى تِلْكَ اللّحْظَةُ وَالنّفَسُ الْوَاحِدُ مِنْ الْأَنْفَاسِ عَوْدًا لَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَا فِي عُرْفِ الشّارِعِ، وَأَيّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْجُزْءِ الْيَسِيرِ جِدًّا مِنْ الزّمَانِ مِنْ مَعْنَى الْعَوْدِ أَوْ حَقِيقَتِهِ؟ قَالُوا: وَهَذَا لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: (هُوَ إعَادَةُ اللّفْظِ بِعَيْنِهِ)؛ فَإِنّ ذَلِكَ قَوْلٌ مَعْقُولٌ يُفْهَمُ مِنْهُ الْعَوْدُ لُغَةً وَحَقِيقَةً، وَأَمّا هَذَا الْجُزْءُ مِنْ الزّمَانِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيهِ الْعَوْدُ
الْبَتّةَ. قَالُوا: وَنَحْنُ نُطَالِبُكُمْ بِمَا طَالَبْتُمْ بِهِ الظّاهِرِيّةَ: مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَ الشّافِعِيّ؟ قَالُوا: وَاَللهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْكَفّارَةَ بِالْعَوْدِ بِحَرْفِ (ثُمّ) الدّالّةِ عَلَى التّرَاخِي عَنْ الظّهَارِ، فَلَابُدّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَبَيْنَ الظّهَارِ مُدّةٌ مُتَرَاخِيَةٌ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَكُمْ، وَبِمُجَرّدِ انْقِضَاءِ قَوْلِهِ (أَنْتَ عَلَيّ كَظَهْرِ أُمّي) صَارَ عَائِدًا مَا لَمْ يَصِلْهُ بِقَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ)، فَأَيْنَ التّرَاخِي وَالْمُهْلَةُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالظّهَارِ؟.اهـ
وأما قول الظاهرية:
فقال ابن القيم رحمه الله -في الرد عليهم-: نَظِيرُهَا -أي: آية الظهار- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [المجادلة: 8]، وَمَعَ هَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيّنُ المُرَادَ مِنْ آيَةِ الظّهَارِ؛ فَإِنَّ عَوْدَهُمْ لِمَا نُهُوا عَنْهُ هُوَ رُجُوعُهُمْ إلَى نَفْسِ المَنْهِيّ عَنْهُ، وَهُوَ النّجْوَى، وَلَيْسَ المُرَادُ بِهِ إعَادَةَ تِلْكَ النّجْوَى بِعَيْنِهَا، بَلْ رُجُوعُهُمْ إلَى المَنْهِيّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الظّهَارِ:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة:3]، أَيْ: لِقَوْلِهِمْ. فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى المَفْعُولِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ الزّوْجَةِ بِتَشْبِيهِهَا بِالمُحَرّمَةِ؛ فَالْعَوْدُ إلَى المُحَرّمِ هُوَ الْعَوْدُ إلَيْهِ، وَهُوَ فِعْلُهُ، فَهَذَا مَأْخَذُ مَنْ قَالَ إنّهُ الْوَطْءُ.
قال: وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنّ الْقَوْلَ فِي مَعْنَى المَقُولِ، وَالمَقُولُ هُوَ التّحْرِيمُ، وَالْعَوْدُ لَهُ هُوَ الْعَوْدُ إلَيْهِ، وَهُوَ اسْتِبَاحَتُهُ عَائِدًا إلَيْهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ اللّغَةِ الْعَرَبِيّةِ وَاسْتِعْمَالِهَا.
قال: وَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السّلَفِ أَنّهُ فَسّرَ الْآيَةَ بِإِعَادَةِ اللّفْظِ الْبَتّةَ، لَا مِنْ