الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
971 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْطُبْ بَعْضُكُم عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: الخِطبة على خطبة الأخ المسلم
.
ذكر أهل العلم أنَّ في ذلك ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تسكن إلى الخاطب لها، فتجيبه، أو تأذن لوليها في إجابته، وتزويجه، فهذا يحرم على غير خاطبها خطبتها؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الباب، وجاء بنحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين»
(2)
، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه في «صحيح مسلم» (1414).
قال ابن قدامة رحمه الله: ولا نعلم في هذا خلافًا بين أهل العلم؛ إلا أنَّ قومًا حملوا النهي على الكراهة، والظاهر أولى. اهـ
الحالة الثانية: أن ترده، ولا تركن إليه، فهذه يجوز خطبتها عند كثير من أهل العلم، ويستدلون على ذلك بحديث فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فذكرت أنَّ معاوية، وأبا جهم خطباها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أما معاوية فصعلوك لا مال
(1)
أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412).
(2)
أخرجه البخاري برقم (5144)، ومسلم برقم (1413).
له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، انكحي أسامة» أخرجه مسلم (1480)، فخطبها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعد إخبارها إياه بخطبة معاوية، وأبي جهم لها.
قالوا: وفي تحريم خطبتها على هذا الوجه إضرار بها؛ فإنه لا يشاء أحد أن يمنع المرأة النكاح إلا منعها بخطبته إياها.
قال أبو عبد الله غفر اللهُ لهُ: أما إذا رُدَّ؛ فلا إشكال، وأما كونها لم تركن إليه، ومثله إذا لم يُعلم هل قُبِل أم رُدَّ؟ فلا يجوز الخطبة على خطبته؛ لظاهر الأحاديث.
وأما حديث فاطمة بنت قيس، فقال الحافظ: وأشار النووي وغيره إلى أنه لا حجة فيه؛ لاحتمال أن يكونا خطبا معًا، أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة، ولم يخطب، وعلى تقدير أن يكون خطب، فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية، وأبي جهم ظهر منها الرغبة عنهما، فخطبها لأسامة. اهـ
وممن نصَّ على أنه لا يجوز الخطبة إذا لم يحصل الرد مع عدم الركون أبو محمد بن حزم، والشوكاني، ثم الإمام ابن عثيمين رحمهم الله.
قال الشوكاني رحمه الله: فوقوع الخطبة مُقْتَضٍ لتحريم خطبة الآخر إلى هذه الغاية -حتى يترك الخاطب أو يأذن له- وبمجرد وقوع الخطبة الأولى يحصل التحريم، سواء علم الآخر بالرضى من المرأة أم لم يعلم، لكن إذا انتهى الحال إلى عدم وقوع الرضى منها، فتلك الخطبة كأنها لم تكن؛ لعروض مانع من ثبوتها، وهو عدم الرضى.
قال: ولا منافاة بين الأحاديث القاضية بتحريم الخطبة وبين ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من المشورة على فاطمة بنت قيس بأن تنكح أسامة بن زيد بعد أن خطبها أبو جهم ومعاوية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخطبها لأسامة، بل أشار عليها به بعد أن استشارته، وَبَيَّن لها أن معاوية صعلوك وأبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه، وأنه ضَرَّاب للنساء، والأمر اليها في ذلك.
وفي رواية في «صحيح مسلم»
(1)
وغيره: أن أسامة قد كان خطبها معهما وأن الثلاثة خطبوها، فأشار عليها النبي صلى الله عليه وسلم به، وهذا يوضح لك عدم الاختلاف بين هذا الحديث، وأحاديث تحريم الخطبة على الخطبة. اهـ
الحالة الثالثة: أن يوجد من المرأة ما يدل على الرضى، والسكون تعريضًا لا تصريحًا.
• فظاهر مذهب أحمد وأصحابه أنه لا يجوز خطبتها، وهو قول بعض الشافعية.
• وذهب بعض الحنابلة، والشافعية إلى جواز ذلك، وهو مذهب المالكية، والحنفية.
والصحيح هو القول الأول؛ لظاهر الأحاديث، والله أعلم.
(2)
(1)
انظرها في «مسلم» (1480)(47).
(2)
انظر: «المغني» (9/ 567 - 568)«الفتح» (5142)«المحلى» (1884)«السيل» (2/ 245 - 246)«الإنصاف» (8/ 35 - 36).