الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [12]: إذا راجع امرأته في ردة أحدهما
؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 562): فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي رِدَّةِ أَحَدِهِمَا، فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَهُوَ صَحِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الرِّدَّةِ، كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَقْرِيرُ النِّكَاحِ، وَالرِّدَّةَ تُنَافِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَصِحَّ اجْتِمَاعُهُمَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قُلْنَا: تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ. لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ. فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ، إنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ؛ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ ارْتَجَعَهَا فِي نِكَاحِهِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ إمْسَاكٍ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ الرِّدَّةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا. اهـ
(1)
قلتُ: تقدم أنَّ الراجح أنَّ النكاح موقوف إذا حصل الخلاف في الدين، وعلى هذا فتصح الرجعة، والله أعلم.
مسألة [13]: إذا راجع الزوج امرأته، فادَّعت أن عدتها قد انقضت
؟
ذكر أهل العلم أنَّ المرأة يقبل قولها فيما إذا ادعت ذلك في زمنٍ يمكن انقضاؤها فيه عادة؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228].
وبَوَّب البخاري في «صحيحه» [باب: (24) من كتاب الحيض]: باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وما يصدق النساء في الحيض، والحمل فيما يمكن
(1)
وانظر: «البيان» (10/ 250).
من الحيض.
قال: ويُذكر عن علي، وشريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثًا في شهرٍ؛ صدقت. وهو من طريق الشعبي عنهما.
ونقل ذلك البخاري عن عطاء، والنخعي.
قال ابن رجب رحمه الله -بعد أن وصل الآثار المذكورة-: فهؤلاء كلهم يقولون: إنَّ المراة قد تنقضي عدتها في شهر واحد بثلاثة أقراء، وهو قول كثير من العلماء منهم: مالك، وأحمد، وإسحاق وغيرهم.
قال: وهذا ينبني على أصلين: أحدهما: الاختلاف في الأقراء، هل هي الأطهار، أم الحيض؟ والثاني: الاختلاف في مدة أقل الحيض، وأقل الطهر.
ثم ذكر الخلاف في ذلك.
• ومذهب أبي حنيفة: لا تُصَدَّق في دعوى انقضاء العدة في أقل من ستين يومًا.
• وقال أبو يوسف ومحمد: لا تصدق إلا في كمال تسعة وثلاثين يومًا.
• وقال سفيان الثوري: لا تصدق في أقل من أربعين يومًا.
• وقال الحسن بن صالح: لا تصدق في أقل من خمسة وأربعين يومًا.
قال ابن رجب رحمه الله: ولم يذكر هؤلاء أنَّ دعواها لا تقبل إلا ببينة، وهو قول
الخرقي من أصحابنا.
قال: والمنصوص عن أحمد أنَّ دعوى انقضاء العدة في شهر لا تقبل بدون بينة تشهد به من النساء، ودعوى انقضائها في زيادة على شهر تقبل بدون بينة؛ لأنَّ المرأة مؤتمنة على حيضها.
• ومنهم من قال: إنما يقبل ذلك بغير بينة في حق من ليس لها عادة مستقرة، فأما من لها عادة منتظمة؛ فلا تصدق إلا ببينة على الأصح.
• وقال إسحاق، وأبو عبيد: لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر؛ إلا أن تكون لها عادة معلومة قد عرفها بطانة أهلها المرتضى دينهم، وأمانتهم، فيعمل بها حينئذٍ، ومتى لم يكن كذلك فقد وقعت الريبة، فيحتاط، وتعدل الأقراء بالشهور كما في حق الآيسة والصغيرة. انتهى «الفتح» [باب:(24) من كتاب الحيض].
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (5/ 559): فصار لها ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن تدعي انقضاء العدة في زمن لا يمكن انقضاؤها فيه، فهذه لا تسمع بينتها أصلًا، ولا يلتفت إليها القاضي.
الحال الثانية: أن تدعي انقضاءها في زمن ممكن، لكنه بعيد، ونادر، فهذه تسمع، ولكن لا تقبل إلا ببينة.
الحال الثالثة: أن تدعي انقضاءها في زمن يمكن انقضاؤها فيه، ولا يندر أن
تنقضي فيه، أي: أنَّ مثيلاتها كثير، مثل لو ادعت انقضاءها في مدة شهرين، فهذا أمر يقع كثيرًا، فتقبل بلا بينة؛ وذلك لأنَّ هذا أمر ممكن وكثير، فليس هناك ما يمنع قولها؛ لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} .اهـ
هذا فيما إذا ادَّعت انقضاء العدة بالحيض، وأما إذا ادعت انقضاءها بوضع الحمل:
فقال ابن قدامة: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ وَضْعَ الْوَلَدِ لِتَمَامٍ، أَوْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ قَبْلَ كَمَالِهِ؛ فَإِنِ ادَّعَتْ وَضْعَهُ لِتَمَامٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْمُلُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهُ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ سَقْطٍ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَا أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ الثَّمَانِينَ، وَلَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً بِحَالٍ، وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
قال: الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَدَّعِيَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الزَّوْجُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا؛ لِيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَتَهَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتُكِ فِي شَوَّالٍ. فَتَقُولَ هِيَ: بَلْ فِي ذِي الْحِجَّةِ.