الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [52]: إن قذف امرأته المجنونة
؟
ذكر أهل العلم أنه إن قذف امرأته بزنى أضافه إلى حال الإفاقة؛ فإنه لا يقام عليه الحد، ولا لعان حتى تفيق، فإما أن تعترف، وإما أن تطالب بالحد، وله أن يزيل الحد باللعان.
• وإن كان هناك ولد يريد نفيه، فمذهب الحنابلة، والحنفية أنه لا يلاعن حتى تفيق، ويلحقه الولد حتى يحصل اللعان.
• ومذهب الشافعي أن له أن يلاعن لنفيه عن نفسه، وهذا أقرب، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (11/ 127)«الشرح الممتع» (5/ 628 - 629).
1095 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا، فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، فَهُوَ لِلَّذِي رَمَاهَا بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
دلَّ هذا الحديث على صحة اللعان من المرأة الحامل.
• والجمهور على أنه يصح أن يلاعن حتى على نفي الولد، ولا يشترط انتظاره حتى تلد؛ لظاهر حديث الباب.
• ومذهب الحنفية، وأحمد في رواية: لا لعان لنفي الحمل حتى تضع؛ لجواز أن يكون ريحًا، أو غيرها، فيصبح اللعان معلقًا بشرط وجوده، فلا يصح.
والصحيح أنه يجوز اللعان لنفي الحمل، ولا يشترط ذكر ذلك في اللعان كما تقدم.
(2)
(1)
أخرجه مسلم برقم (1496) بنحوه. ولم يخرجه البخاري.
(2)
وانظر: «المغني» (11/ 161)«سبل السلام» (6/ 267)«البيان» (10/ 432).
1096 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ عَلَى فِيهِ، وَقَالَ:«إنَّهَا مُوجِبَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
دل هذا الحديث على أنه يستحب للحاكم أن يأمر رجلًا أن يضع يده عند الخامسة على في الرجل؛ حتى لا يتعجل بها قبل أن يسمع الموعظة، ثم يعظه الحاكم، ويذكره بالله، وأنَّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
واستحب بعض الفقهاء أن يفعل ذلك في المرأة أيضًا، ولا دليل على ذلك؛ فإنه لم يرو أنه أمر بوضع يدِ أحدٍ على فم المرأة، وبالله التوفيق.
(1)
أخرجه أبوداود (2255)، والنسائي (6/ 175)، وإسناده حسن.
1097 -
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه -فِي قِصَّةِ المُتَلَاعِنَيْنِ- قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إنْ أَمْسَكْتهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
استدل بهذا الحديث مَن قال: إنَّ اللعان لا يقع إلا بتفريق الحاكم، ومن قال: إنَّ اللعان طلاق لا فسخ. وهذا غير صحيح؛ فقد دل الحديث بطرقه الأخرى مع الأحاديث الأخرى أنَّ الفرقة تقع باللعان نفسه، وأنه فسخٌ، وليس بطلاق.
وهذا الفعل من قول عويمر العجلاني رضي الله عنه، وليس بحجة، وقد تقدم ذكر المسألتين سابقًا.
(1)
أخرجه البخاري (5308)، ومسلم (1492).
1098 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ:«غَرِّبْهَا» ، قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي، قَالَ:«فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» . رَوَاهُ أَبُودَاوُد، وَالبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1)
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِلَفْظِ قَالَ: «طَلِّقْهَا» ، قَالَ: لَا أَصْبِرُ عَنْهَا، قَالَ:«فَأَمْسِكْهَا» .
(2)
الحكم المستفاد من الحديث
قال المغربي رحمه الله في «البدر التمام» (4/ 160): اختلف العلماء في معنى ذلك، فقيل: معناه الفجور، وأنها لاتمتنع ممن يطلب الفاحشة. وبهذا قال أبو عبيد، والخلال، والنسائي، وابن الأعرابي، والخطابي، والغزالي، والنووي، واستدل به الرافعي على أنه لا يجب تطليق من فسقت بالزنى إن كان الرجل لا يقدر على مفارقتها. وقيل: المراد أنها تُبَذِّر ولا تمنع أحدًا طلب منها شيئًا من مال زوجها. وبهذا قال أحمد، والأصمعي، ومحمد بن ناصر، ونقله عن علماء الإسلام، وابن الجوزي، وأنكر على من ذهب إلى القول الأول، وقال في «النهاية»: وهو أشبه
(1)
ضعيف منكر. أخرجه أبوداود (2049)، وأخرجه أيضًا النسائي (6/ 169 - 170)، من طريق الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس به.
وهذا الحديث ظاهر إسناده الحسن، ولكن قال أحمد: هو حديث منكر. وقال النسائي: هذا الحديث ليس بثابت. وقال الدارقطني: تفرد به الحسين بن واقد، وتفرد به عنه الفضل بن موسى.
(2)
أخرجه النسائي (6/ 67 - 68، 70)، ورجح النسائي أنه من مراسيل عبدالله بن عبيد بن عمير، ومن وصله بذكر ابن عباس فقد وهم.
بالحديث؛ لأنَّ المعنى الأول يشكل على ظاهر قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وإن كان في معنى الآية وجوهٌ كثيرة. اهـ
قال الصنعاني رحمه الله في «السبل» (6/ 271): الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبُعْدِ، بَلْ لَا يَصِحُّ؛ لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَكُونَ دَيُّوثًا، فَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ، وَالثَّانِي بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّبْذِيرَ إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَمَنْعُهَا مُمْكِنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُوجِبُ أَمْرُهُ بِطَلَاقِهَا، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي اللُّغَةِ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ لَا يَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، كِنَايَةً عَنْ الْجُودِ؛ فَالْأَقْرَبُ الْمُرَادُ أَنَّهَا سَهْلَةُ الْأَخْلَاقِ، لَيْسَ فِيهَا نُفُورٌ وَحِشْمَةٌ عَنْ الْأَجَانِبِ، لَا أَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ الْفَاحِشَةِ، وَلَوْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا عَنْ الْوِقَاعِ مِنْ الْأَجَانِبِ؛ لَكَانَ قَاذِفًا لَهَا. اهـ
تنبيه: استدل بعض الشافعية وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للرجل أن يمسك امرأته الزانية، واستحبوا له الطلاق استحبابًا، والذي يظهر أنَّ المرأة إن لم تتب من ذلك؛ فلا يجوز له إبقاؤها تحت عصمته كما أشرنا إلى ذلك في كتاب النكاح والطلاق، والله أعلم.