الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَهَرَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيّةً، وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا، ثُمّ أَسْلَمَا؛ أُقِرَّا عَلَيْهِ. اهـ
مسألة [15]: إذا أسلم الكافران معًا في وقت واحد
؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (10/ 7): إِنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَا مَعًا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَلَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ الله. ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ اخْتِلَافٌ في الدِينٍ. اهـ
قال: وَيُعْتَبَرُ تَلَفُّظُهُمَا بِالْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِئَلَّا يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَيَفْسُدَ النِّكَاحُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ، كَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ كُلِّهِ حُكْمُ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ؛ لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَ كُلِّ مُسْلِمَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ، إلَّا فِي الشَّاذِّ النَّادِرِ، فَيَبْطُلُ الْإِجْمَاعُ. اهـ
قلتُ: الصحيح عدم اعتبار تلفظهما جميعًا كما سيأتي في المسألة التي تليها.
مسألة [16]: إذا أسلم أحد الزوجين قبل الآخر، فما الحكم
؟
• في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّ النكاح ينفسخ بمجرد إسلام الأول منهما، وهو قول الحسن، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، وقتادة، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه.
وقال بهذا القول أيضًا الحكم، والثوري، وأبو ثور، وهو ظاهر اختيار البخاري، وأحمد في رواية اختارها الخلَّال، وأبو بكر، ونصره ابن حزم، واستدل هؤلاء بقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]، وبقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}
…
[الممتحنة:10]، واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب الوارد في الباب.
وأبو حنيفة يقول بهذا القول؛ إلا أنه لا يفسخ النكاح حتى يعرض على الآخر الإسلام فيأبى، ومثله قول مالك فيما إذا كان الرجل هو الذي أسلم.
القول الثاني: أنَّ النكاح لا ينفسخ حتى تنقضي عدة المرأة؛ فإن أسلم الآخر قبل انقضائها؛ فهما على نكاحهما، وإن أسلم بعد انقضائها؛ وقعت الفرقة من حين اختلف الدينان، وإن أحبَّا الاجتماع فبعقد جديد.
وهذا قول الزهري، والليث، والحسن بن صالح، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، والمشهور عن أحمد، ومالك، وحجتهم في ذلك أنَّ الفسخ لا يحصل بمجرد الإسلام، فقد حصل إسلام جمع من الكفار مع تفاوتٍ بين إسلام الزوجين منهم، فأقرهم النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أنكحتهم ولم يجدد عقدًا، ومنهم أبو العاص بن الربيع؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أعاد عليه ابنته زينب بدون عقد جديد، وكذلك ما اشتهر في السيرة أنَّ صفوان بن أمية أسلم بعد امرأته بنحو شهر، وكذلك أسلمت أم حكيم قبل زوجها عكرمة بن أبي جهل، وأسلم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وأبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية عام الفتح قبل أزواجهم، ولم يُعْلَم
أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرَّق بين أحدٍ ممن أسلم، وبين امرأته، أو أمرهما بتجديد العقد.
القول الثالث: أنَّ النكاح موقوف، وإن انقضت العدة، وهو قول النخعي، وحماد بن أبي سليمان، ورواية عن الزهري، وعن علي، وعمر ما يدل عليه
(1)
، واختاره شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم رحمه الله.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (5/ 136): وَتَضَمّنَ أَنّ أَحَدَ الزّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْآخَرِ لَمْ يَنْفَسِخْ النّكَاحُ بِإِسْلَامِهِ، فَرّقَتْ الْهِجْرَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ تُفَرّقْ؛ فَإِنّهُ لَا يُعْرَفُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَدّدَ نِكَاحَ زَوْجَيْنِ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِإِسْلَامِهِ قَطّ، وَلَمْ يَزَلْ الصّحَابَةُ يُسْلِمُ الرّجُلُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَتُهُ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الْبَتّةَ أَنّهُ تَلَفّظَ بِإِسْلَامِهِ هُوَ وَامْرَأَتُهُ، وَتَسَاوَقَا فِيهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ، هَذَا مِمّا يُعْلَمُ أَنّهُ لَمْ يَقَعْ الْبَتّةَ.
قال: وَأَمّا مُرَاعَاةُ زَمَنِ الْعِدّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ نَصّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَقَدْ ذَكَرَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ فِي الزّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا: هُوَ أَمْلَكُ بِبُضْعِهَا مَا دَامَتْ فِي دَارِ هِجْرَتِهَا. وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة، عَنْ مُطَرّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ الشّعْبِيّ، عَنْ عَلِيّ: هُوَ أَحَقّ بِهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِصْرِهَا
(2)
. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزّهْرِيّ: إنْ أَسْلَمَتْ وَلَمْ يُسْلِمْ زَوْجُهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا إلّا أَنْ يُفَرّقَ
(1)
سيأتي إن شاء الله ذكر الأثرين في كلام ابن القيم عن قريب.
(2)
الإسناد الأول عن علي رضي الله عنه إسناده صحيح؛ لولا عنعنة قتادة، والإسناد الثاني صحيح رجاله ثقات.
بَيْنَهُمَا سُلْطَانٌ.
قال: وَلَا يُعْرَفُ اعْتِبَار الْعِدّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَا كَانَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ الْمَرْأَةَ هَلْ انْقَضَتْ عِدّتُهَا أَمْ لَا، وَلَا رَيْبَ أَنّ الْإِسْلَامَ لَوْ كَانَ بِمُجَرّدِهِ فُرْقَةً؛ لَمْ تَكُنْ فُرْقَةً رَجْعِيّةً، بَلْ بَائِنَةً، فَلَا أَثَرَ لِلْعِدّةِ فِي بَقَاءِ النّكَاحِ، وَإِنّمَا أَثَرُهَا فِي مَنْعِ نِكَاحِهَا لِلْغَيْرِ، فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ نَجّزَ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا؛ لَمْ يَكُنْ أَحَقّ بِهَا فِي الْعِدّةِ، وَلَكِنْ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ حُكْمُهُ صلى الله عليه وسلم أَنّ النّكَاحَ مَوْقُوفٌ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدّتِهَا؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدّتُهَا؛ فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ أَحَبّتْ انْتَظَرَتْهُ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ زَوْجَتَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَجْدِيدِ النّكَاحِ.
قال: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَدّدَ لِلْإِسْلَامِ نِكَاحَهُ الْبَتّةَ، بَلْ كَانَ الْوَاقِعُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمّا افْتِرَاقُهُمَا وَنِكَاحُهَا غَيْرَهُ، وَإِمّا بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ تَأَخّرَ إسْلَامُهَا أَوْ إسْلَامُهُ، وَأَمَّا تَنْجِيزُ الْفُرْقَةِ، أَوْ مُرَاعَاةُ الْعِدّةِ، فَلَا نَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِهِ مِنْ الرّجَالِ وَأَزْوَاجِهِنّ، وَقُرْبِ إسْلَامِ أَحَدِ الزّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ، وَلَوْلَا إقْرَارُهُ صلى الله عليه وسلم الزّوْجَيْنِ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِنْ تَأَخّرَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَزَمَنِ الْفَتْحِ؛ لَقُلْنَا بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ عِدّةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ، وَقَوْلِهِ:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} .
قال: وَلَكِنْ الّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَقَوْلُهُ: {لَا
هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}؛ لَمْ يَحْكُمْ بِتَعْجِيلِ الْفُرْقَةِ.
ثم ذكر إسلام عدد من الصحابة قبل أزواجهم.
ثم قال: وَجَوَابُ مَنْ أَجَابَ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ، وَمِنْ الْقَوْلِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِلَا عِلْمٍ، وَاتّفَاقُ الزّوْجَيْنِ فِي التّلَفّظِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مَعًا فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ. وَيَلِي هَذَا الْقَوْلَ مَذْهَبُ مَنْ يَقِفُ الْفُرْقَةَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدّةِ مَعَ مَا فِيهِ؛ إذْ فِيهِ آثَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً، وَلَوْ صَحّتْ لَمْ يَجُزْ الْقَوْلُ بِغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: كَانَ النّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُسْلِمُ الرّجُلُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ قَبْلَ الرّجُلِ، فَأَيّهُمَا أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدّةِ الْمَرْأَةِ؛ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْعِدّةِ؛ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا.
ثم ذكر رحمه الله أثر عمر الذي يدل على أنه يقول بالوقف، ولا يعلقه بانتهاء العدة.
قال: ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيّوبَ وَقَتَادَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِالله بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيّ، أَنَّ نَصْرَانِيّا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ، فَخَيّرَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رضي الله عنه: إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ
(1)
. وَمَعْلُومٌ بِالضّرُورَةِ أَنّهُ إنّمَا خَيّرَهَا بَيْنَ انْتِظَارِهِ إلَى أَنْ يُسْلِمَ؛ فَتَكُونَ زَوْجَتُهُ كَمَا هِيَ، أَوْ تُفَارِقَهُ. وَكَذَلِكَ صَحّ عَنْهُ أَنّ نَصْرَانِيّا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: إنْ أَسْلَمَ؛ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. فَلَمْ يُسْلِمْ، فَفُرّقَ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ قَالَ لِعُبَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ
(1)
إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.