الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
996 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي المَجْلُودُ إلَّا مِثْلَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُودَاوُد، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: حكم الزواج بمن تبين زناها، وكذا العكس
.
• ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحرم على العفيف أن يتزوج بزانية لم تتب من هذه الجريمة، وكذا العكس، واستدلوا بحديث الباب، وبقوله تعالى:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3]، وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، وأبي عبيد وغيرهم.
• وذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، واستدلوا بقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:24]، وبعموم قوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32]، وقالوا: الآية المذكورة ليس فيها دليل على المنع من النكاح، فمنهم من قال: هي منسوخة بالآية: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} ، ومنهم من قال: ليس المراد بذلك النكاح، بقرينة أنَّ المشركة لا يجوز للزاني تزوجها، والزانية لا يجوز لها تزوج المشرك، قالوا: فالمقصود بقوله {لَا يَنْكِحُ} ، أي: لا يزني؛ فالمعنى (الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة) وهذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم.
(1)
حسن. أخرجه أحمد (2/ 324)، وأبوداود (2052)، من طريق عبد الوارث، عن حبيب، حدثني عمرو بن شعيب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة به. وإسناده حسن، رجاله ثقات، إلا عمرو بن شعيب؛ فإنه حسن الحديث، وقد حسنه شيخنا رحمه الله في «الصحيح المسند» .
وقد رجَّح شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن القيم القول الأول.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (5/ 114): وَأَمّا نِكَاحُ الزّانِيَةِ فَقَدْ صَرّحَ اللهُ سبحانه وتعالى بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ النّورِ، وَأَخْبَرَ أَنّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ إمّا زَانٍ، أَوْ مُشْرِكٌ؛ فَإِنّهُ إمّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ سُبْحَانَهُ وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ، أَوَ لَا؛ فَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ؛ فَهُوَ زَانٍ، ثُمّ صَرّحَ بِتَحْرِيمِهِ، فَقَالَ:{وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النّورُ: 3]، وَلَا يَخْفَى أَنّ دَعْوَى نَسْخِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النّورُ:34] مِنْ أَضْعَفِ مَا يُقَالُ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ حَمْلُ النّكَاحِ عَلَى الزّنَى؛ إذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ:(الزّانِي لَا يَزْنِي إلّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إلّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) وَكَلَامُ الله يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْ مِثْلِ هَذَا.
قال: كَيْفَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ، وَهُوَ الْعِفّةُ، فَقَالَ:{فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النّسَاءُ:25]، فَإِنّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ؛ فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التّحْرِيمِ، فَيُقْتَصَرُ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشّرْعُ وَمَا عَدَاهُ فَعَلَى أَصْلِ التّحْرِيمِ، وَأَيْضًا فَإِنّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:26] وَالْخَبِيْثَاتُ: الزَّوَانِي، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَزَوّجَ بِهِنّ فَهُوَ خَبِيثٌ مِثْلُهُنّ.
قال: وَأَيْضًا فَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ زَوْجَ بَغِيّ، وَقُبْحُ هَذَا مُسْتَقِرّ
فِي فِطَرِ الْخَلْقِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ غَايَةُ المَسَبّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنّ الْبَغِيّ لَا يُؤْمَنُ أَنْ تُفْسِدَ عَلَى الرّجُلِ فِرَاشَهُ وَتُعَلّقَ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ، وَالتّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِدُونِ هَذَا.
وَأَيْضًا: فَإِنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَرّقَ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ المَرْأَةِ الّتِي وَجَدَهَا حُبْلَى مِنْ الزّنَى
(1)
.
وَأَيْضًا: فَإِنّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ اسْتَأْذَنَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَوّجَ عَنَاقَ وَكَانَتْ بَغِيّا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم آيَةَ النّورِ، وَقَالَ: لَا تَنْكِحْهَا
(2)
. اهـ
فهذا بحثٌ مفيدٌ، مختصرٌ فيه الكفاية في هذه المسألة إن شاء الله تعالى، وما رجحه ابن القيم هو الصواب.
وقد استفاد بعض كلامه من شيخه شيخ الإسلام، وهو ترجيح الإمام ابن عثيمين، والإمام الوادعي رحمة الله عليهما، وبالله التوفيق.
وكما يحرم على الرجل الزواج بالزانية؛ فيحرم أيضًا على المرأة أن تتزوج بزاني.
(3)
(1)
ضعيف. أخرجه سعيد بن منصور (693)، وأبو داود (2131)، والبيهقي (7/ 157) من طريق سعيد بن المسيب مرسلًا، أن رجلا تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بينهما، وجعل لها الصداق، وجلدها مائة. فهو مرسل ضعيف، وقد وصله إبراهيم بن أبي يحيى، وجعله عن بصرة الغفاري، وهو متروك.
(2)
أخرجه الترمذي (3177)، وأبو داود (2051)، والنسائي (6/ 66)، والبيهقي (7/ 153) بإسناد حسن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
(3)
انظر بحث شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (32/ 109 - 125)، وانظر:«المغني» (9/ 562).