الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في ذكر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم
في «الاستيعاب» (810) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا الفضل. بابنه الفضل. وكان العباس أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل بل بثلاث سنين، وأمه امرأة من النمر بن قاسط، وهي نثلة ويقال نثلة ابنة جناب بن كليب «1» بن مالك بن عمرو بن عامر الضّيحان.
وقال أبو عبيدة: هي نثيلة بنت جناب بن حبيب بن مالك بن عمرو بن عامر [بن زيد مناة بن عامر]«2» وهو الضّحيان، ولدت لعبد المطلب العباس فأنجبت به، وهي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والديباج وأصناف الكسوة، وذلك أن العباس ضلّ وهو صبيّ، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام، فوجدته ففعلت.
وكان العباس في الجاهلية رئيسا في قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، والسقاية معروفة، وليها بعد أبي طالب فقام بها، وأما العمارة فإنه كان لا يدع أحدا يستبّ في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرا، يحملهم على عمارته في الخير لا يستطيعون لذلك امتناعا لأنه كان ملأ قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، وكانوا أعوانا عليه، وسلّموا ذلك إليه.
وكان ممن خرج مع المشركين يوم بدر، وأخرج إليها مكرها فيما يزعم قوم، فأسر فيمن أسر منهم، وكانوا قد شدّوا وثاقهم، فسهر النبي- صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبيّ الله؟ قال:
أسهر لأنين العباس، فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا أسمع أنين العباس؟ فقال الرجل: أنا أرخيت من وثاقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فافعل ذلك بالأسرى كلّهم.
(1) ط: كليم.
(2)
انظر جمهرة ابن حزم: 301.
قال أبو عمر (812) : أسلم العباس قبل فتح خيبر، وكان يكتم إسلامه، وذلك بيّن في حديث الحجاج بن علاط، أنه كان مسلما يسرّه ما يسر ويفتح الله على المسلمين. ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة، وشهد حنينا والطائف وتبوك، ويقال إن إسلامه قبل بدر، وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون بمكة يتقوون به، وكان يحبّ أن يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مقامك بمكة خير، فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من لقي منكم العباس فلا يقتله فإنما أخرج كرها.
وكان العباس أنصر الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم يشترط له على الأنصار، وكان على دين قومه يومئذ، وانهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين غيره وغير عمر وعليّ وأبي سفيان بن الحارث، وقد قيل غير سبعة من أهل بيته، وذلك مذكور في شعر العباس الذي يقول فيه «1» :[من الطويل]
ألا هل أتى عرسي مكرّي ومقدمي
…
بوادي حنين والأسنّة شرّع
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة
…
وقد فرّ من قد فرّ عنه وأقشعوا
«2» وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم العباس بعد إسلامه، ويعطيه ويجلّه، ويقول: هذا عمي وصنو أبي.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفّا وأوصلها «3» .
(1) ذكر ابن عبد البر أن شعره في السيرة، ولم أجده فيه.
(2)
السبعة هم: علي والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وابناه جعفر وربيعة وأسامة بن زيد (وزاد بعضهم أيمن بن عبيد) .
(3)
مسند أحمد 1: 182.
(816)
وقال ابن شهاب: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه.
(814)
وعن أبي الزناد عن الثقة أن العباس بن عبد المطلب لم يمرّ بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا حتى يجوز العباس إجلالا له، ويقولان: عم النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن عباس وأنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحط أهل المدينة استسقى بالعباس.
(816)
وقال ابن شهاب: استسقى به عمر فسقي.
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى (814) وكان سبب ذلك أن الأرض أجدبت إجدابا شديدا على عهد عمر عام الرمادة، وذلك سنة تسع عشرة، فقال كعب: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء، فقال عمر: هذا عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وسيد بني هاشم.
(815)
وروينا من وجوه عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه خرج يستسقي وخرج معه العباس، فقال «1» : اللهم إنا نتقرب إليك بعمّ نبيك؛ ونستشفع به، فاحفظنا بعمّ نبينا كما حفظت الغلامين بصلاح أبيهما، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين، ثم أقبل على الناس فقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (نوح: 10- 12) ثم قام العباس وعيناه تنضحان، فطالع عمر ثم قال: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورقّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السرّ وأخفى، اللهم أغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا [فيهلكوا] فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون. فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون؟ ترون؟ ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح ثم هرّت ودرّت،
(1) قارن بما أورده ابن الأثير في تاريخه 2: 557.
فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء وقلصوا المآزر، وطاف الناس بالعباس يمسحون أردانه ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين.
(816)
وتوفي العباس بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب، وقيل: بل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين قبل قتل عثمان بسنتين، وصلّى عليه عثمان، ودفن بالبقيع وهو ابن ثمان وثمانين سنة، أدرك في الإسلام اثنتين وثلاثين سنة، وفي الجاهلية ستا وخمسين.
وقال خليفة بن خياط (179) : كانت وفاة العباس سنة ثلاث وثلاثين. انتهى.
فوائد لغوية في ثماني مسائل:
المسألة الأولى: في «الغريبين» العباس صنو أبي: أراد أن أصله وأصل أبي واحد. وفي «الصحاح» (6: 2404) إذا خرج نخلتان وثلاث من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو، والاثنان صنوان، والجمع صنوان برفع النون. وفي «المحكم» في الحديث: عمّ الرجل صنو أبيه.
المسألة الثانية: في «الصحاح» (3: 1151) القحط: الجدب، وقحط المطر يقحط قحوطا إذا احتبس، وحكى الفراء: قحط المطر بالكسر يقحط، وأقحط القوم إذا أصابهم القحط، وقحطوا أيضا على ما لم يسمّ فاعله قحطا.
المسألة الثالثة: في «الغريبين» عام الرمادة أي عام الهلكة، يقال: رمدت الغنم: إذا هلكت وموتت من برد أو صقيع، وأرمد القوم: إذا هلكت مواشيهم، ورمد عيشهم: إذا هلكوا وهو الرمد. وقال أبو عبيد: بل سمي عام الرمادة لأن الزرع والشجر وكلّ شيء من النبت احترق مما أصابه من السنة. فشبّه سوادها بالرماد. قال الهروي: هذا تفسير الفقهاء، والأول كلام العرب، ولكلّ وجه.
المسألة الرابعة: في «المحكم» (3: 94) نضحت العين تنضح نضحا، وانتضحت: فارت بالدمع.
المسألة الخامسة: في «الصحاح» (2: 854، 656) الهرهور: الماء الكثير وهو
الذي إذا جرى سمعت له هرهرة «1» وهي حكاية جريه، ويقال: ماء هرهر، وهراهر، وللسحاب درّة أي صبّ، والجمع درر.
وقال النّمر بن تولب «2» : [من المتقارب]
سلام الإله وريحانه
…
ورحمته وسماء درر
غمام ينزّل رزق العباد
…
فأحيا البلاد وطاب الشجر
المسألة السادسة: اعتلقوا الحذاء: أي نزعوها من أرجلهم، وعلقوها بأيديهم لئلا يفسدها الماء من كثرة سيحه. وفي «الصحاح» (6: 2310) : الحذاء: النعل، واحتذى: انتعل.
وقال الراجز:
كلّ الحذاء يحتذى الحافي الوقع «3»
المسألة السابعة: قلّصوا المآزر: أي رفعوها فتقلصت كي لا يصيبها الماء.
وفي «الصحاح» (3: 1053) قلص الشيء يقلص قلوصا: ارتفع، والمآزر جمع مئزر.
وفي «الغريبين» : ويقال: إزار ومئزر ولحاف وملحف، وحلاب ومحلب. وفي «المشارق» (1: 29) المئزر والإزار ما ائتزر به الرجل من أسفله. وفي حديث أنس:
أزرتني بنصف خمارها وردّتني بنصفه، أي جعلت من بعضه إزارا لأسفلي، ومن بعضه رداء لأعلى بدني وهو موضع الرداء.
المسألة الثامنة: في «الصحاح» (5: 2121) الرّدن بالضم أصل الكمّ، يقال:
قميص واسع الرّدن: وأردنت القميص، وردّنته تردينا: جعلت له ردنا، والجمع أردان. وقال «4» :[من المتقارب]
وعمرة من سروات النساء
…
تنفح بالمسك أردانها
(1) الصحاح: هرهر.
(2)
البيتان في اللسان والتاج: (درر) .
(3)
الرجز في الحيوان 6: 446 والبيان 3: 62 وأمالي القالي 1: 115 واللسان (وقع) لجساس بن قطيب أبي المقدام.
(4)
هو قيس بن الخطيم كما في اللسان (ردن) وديوانه: 26.
الجزء الثالث في العمالات الكتابية وما يشبهها وما ينضاف إليها
وفيه ثلاثة عشر بابا