الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب العاشر في المكان الذي اتخذ للفقراء الذين لا يأوون على اهل ولا مال، ويتخرج منه اتخاذ هذه الزوايا التي تتخذ للفقراء
روى البخاري (8: 119- 121) رحمه الله تعالى عن مجاهد أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرّ أبو بكر رضي الله تعالى عنه فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مرّ بي عمر رضي الله تعالى عنه فسألته عن آية من كتاب الله تعالى، ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي وما وفي وجهي: فقال: أبا هرّ «1» ، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق، ومضى فاتّبعته، فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفّة أضياف الإسلام لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللبن شربة اتقوّى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن؟! ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من
(1) ر: يا أبا هريرة.
البيت، قال: أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح (ثبت في أصلين تولّى تصحيح أحدهما الفقيه أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي، وتولّى تصحيح الثاني شيخنا أبو عبد الله ابن رشيد، وكتب أبو محمد عبد المهيمن في الطرة: «الرجل» وكتب عليها خ، يريد رواية أخرى)«1» . حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسم فقال: أبا هر، قلت:
لبيك يا رسول الله، قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب حتى قلت:
لا والذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكا، قال: فأرني، فأعطيته القدح فحمد الله وسمّى وشرب الفضلة.
ورواه الترمذي (4: 61- 63) رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا باختلاف بعض الألفاظ، فقال فيه «ليستتبعني» مكان «ليشبعني» وقال فيه:
فأخذت القدح فجعلت أناوله الرجل فيشرب حتى يروى، ولم يرزؤه «2» ثم يرده فأناوله الآخر حتى انتهيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلّهم، وساق الحديث.
فوائد لغوية في ثلاث مسائل:
الأولى: في «المحكم» روي من الماء ومن اللّبن ريّا وروى، وتروّى وارتوى، والاسم الرّيّ أيضا وقد أرواني، ورجل ريّان وامرأة «3» ريّا من قوم رواء.
الثانية: في «المحكم» رزأه ماله ورزئه يرزؤه فيهما رزءا: أصاب من ماله شيئا.
الثالثة: في «المحكم» زاوية البيت: ركنه، والجمع: الزوايا، وتزوّى صار فيها.
(1) هذا الذي وضعته بين قوسين مما تنفرد به م، وهو يعني اضطراب الرواية بين لفظتي «الرجل» و «القدح» .
(2)
ولم يرزؤه: لم ترد في سنن الترمذي.
(3)
ر: والرجل
…
والمرأة.
الجزء التاسع في ذكر حرف وصناعات كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكر من عملها من الصحابة
رضي الله تعالى عنهم وفيه أربعة وثلاثون بابا دون ما مرّ منها فيما تقدم من الكتاب في مواضيع هي أليق بها