الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث والثلاثون في المغنين
وفيه خمسة فصول
الفصل الأول في المغنين في الأعياد
روى مسلم (1: 243) رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم.
وروى مسلم (1: 243) رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنّيان وتضربان بالدفّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجّى بثوبه فانتهرهما أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد.
وروى أيضا (1: 242) رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:
دخل عليّ أبو بكر وجاريتان من جواري الأنصار تغنّيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث- قالت: وليستا بمغنيتين- فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكلّ قوم عيدا وهذا عيدنا. انتهى.
وفي طريق آخر لمسلم (1: 243) في هذا الحديث قال: مزمار الشيطان عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وخرجه البخاري رحمه الله تعالى وفيه فقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم؟! فوائد لغوية في ست مسائل:
الأولى: قال ابن القوطية في كتابه: «في المقصور والممدود» الغناء ما طرب له. وقال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: كل من رفع صوته بشيء ووالى به مرة بعد أخرى فهو غناء»
عند العرب، وأكثره فيما شاق من صوت، أو شجا من نغمة ولحن، فلذلك قيل: غنّت الحمامة وتغنّى الطائر؛ قال المجنون:
[من الطويل]
ألا قاتل الله الحمامة غدوة
…
على الغصن ماذا هيّجت حين غنّت «2»
وقال القالي: في كتابه «المقصور والممدود» : الغناء المسموع ممدود وأنشد الفراء: [من البسيط]
تغنّ بالشّعر إمّا كنت قائله
…
إنّ الغناء لهذا الشّعر مضمار «3»
وفي «الصحاح» (6: 2449) الغناء بالكسر من السماع. وفي «المحكم» (6: 15) وقد غنّى به، وبينهم أغنية يتغنّون بها، أي نوع من الغناء. وفي «المشارق» (2: 137) قوله جاريتان تغنّيان بما تقاولتا به الأنصار- قال: وليستا بمغنيتين- الغناء الأول:
من الإنشاد، والثاني: من الصفة اللازمة، أي ليستا ممن اتصف بهذا واتخذه صناعة إلا كما ينشد الجواري وغيرهن من الرجال في خلواتهم ويترنّمون به من الأشعار في شؤونهم، ويحتمل أن يكون ليستا بمغنيتين هذا الغناء المصنوع الخارج عن إنشاد «4» العرب.
(1) ر: الغناء.
(2)
من أبيات لأعرابي في الأغاني 5: 327 وانظر ديوان المجنون: 86.
(3)
ورد البيت في اللسان (غنى) .
(4)
المشارق: إنشادات.
الثانية: في «المشارق» (1: 312) قوله في الحبشة يزفنون- بفتح الياء- أي يرقصون، والزّفن الرقص، وهو لعبهم وقفزهم بحرابهم للمثاقفة. وذهب أبو عبيد إلى أنه من الزّفن بالدف، والأول هو الصواب، لأن ما ذكره لا يصحّ في المسجد، وهذا من باب التدرب في الحرب وكان فيما قيل قبل تنزيه المساجد عن مثله.
الثالثة: في «الصحاح» (4: 136) الدّف الذي يضرب به النساء بالضم، وحكى أبو عبيدة عن بعضهم أن الفتح فيه ثابت لغة. وفي «الإكمال» : هو الدف العربي المدور بوجه واحد المسمّى بالغربال. انتهى. وجمعه دفوف. وقال محمد بن عمر بن محمد السبتي المعروف بالدراج في كتابه الذي سماه «بالكفاية والغناء في أحكام الغناء» : ويسميه الناس الطار. وأنشد لابن حمديس الصقلي «1» :
[من المتقارب]
وراقصة لقطت رجلها
…
حساب يد نقرت طارها
انتهى.
قلت: وهو المستعمل الآن عند المغنين في الأعراس في عصرنا هذا وفيه قطع من الصّفر مستديرة مركّبة في جوانب دوره يسمع لها عند تحريكه وقرع بعضها بعضا تصويت وجلجلة، وقد كانت العرب تعمل في دفوفها جلاجل، قال أبو النجم العجلي يصف فرسا، أنشده أبو عبيدة في كتابه «في الخيل» «2» :
[من الراجز]
راحوا ورحنا بشديد زجله
…
كأنّ في الصوت الذي يفصّله
زمّار دف يتغنّى جلجله وأنشد الأصمعي في كتابه «في الخيل» أيضا للفرزدق، يخاطب الحارث بن
(1) ديوان ابن حمديس: 182.
(2)
في ديوان أبي النجم: 164 الشطران الثاني والثالث.
عبد الله بن ربيعة المعروف بالقباع، وكان أمر صاحب شرطته عباد بن حصين بهدم داره مرتين، وكان عباد يلعب في الأعراس «1» :[من الطويل]
أحارث داري مرّتين هدمتها
…
وأنت ابن أخت لا تخاف غوائله
أتحسب قلبي خارجا من حجابه
…
إذا دفّ عبّاد تغنّت جلاجله
وقد ذكر ذلك الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله تعالى عنه في كتاب آداب السماع من «كتاب الإحياء» (2: 282) عند ذكر الآلات التي يباح استعمالها في الغناء فعدّ فيها الدفّ، قال: وإن كان فيه الجلاجل.
تنبيه:
ولم أقف في شيء مما طالعته من الكتب ما أستدل به على الدفوف التي كانت الجواري يضربن بها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها جلاجل أم لا، ولكن يحتمل إجازة أبي حامد استعمال ما فيه الجلاجل من الدفوف ثبوت استعمالها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك أباح استعمالها.
الرابعة: في «المشارق» (2: 207) : قوله مسجّى بثوبه: هو المغطّى بثوبه كلّه رأسه ورجلاه، وقد تقدم.
الخامسة: في «الإكمال» : يوم بعاث: يوم معلوم كان بين الخزرج والأوس كان الظهور فيه للأوس؛ وفي «المشارق» (1: 116) بضم أوله لا غير وعين مهملة، كذا عند أكثر أهل اللغة والرواة. وحكى أبو عبيدة عن الخليل فيه المعجمة وآخره ثاء مثلثة: موضع على ليلتين من المدينة.
السادسة: في «المشارق» (1: 311) : مزمور الشيطان بضم أوله بمعنى مزمار كما جاء في الحديث الآخر، وأصله: الصوت الحسن، والزمر الغناء، ومنه لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود أي صوتا حسنا. انتهى.
(1) ديوان الفرزدق 2: 172.