الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في صاحب المظالم
قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى في كتابه «في أحكام القرآن» (4: 1631) هذه ولاية غريبة أحدثها من تأخّر من الولاة لفساد الولاية وفساد الناس «1» ، وهي عبارة عن كلّ حكم يعجز عنه القاضي فينظر فيه من هو أقوى يدا منه، وذلك أن التنازع إذا كان بين ضعيفين قوّى أحدهما القاضي، وإذا كان بين قوي وضعيف، أو قويين والقوة في أحدهما بالولاية، كظلم الأمراء أو العمال، فهذا مما نصب له الخلفاء أنفسهم، وأول من جلس إليه عبد الملك بن مروان.
قال الماوردي في «أحكامه» (78) : فكان عبد الملك إذا وقف منها على مشكل، أو احتاج فيها إلى حكم ينفذ ردّه إلى قاضيه أبي إدريس الأودي، فكان القاضي هو المنفذ وعبد الملك هو الآمر.
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في «أحكام القرآن» (4: 1631) أيضا: ثم جلس له عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فردّ مظالم بني أمية على المظلومين، إذ كانت في أيدي الولاة والعتاة الذين تعجز عنهم القضاة.
وذكر المطرّز في «اليواقيت» عن ابن الأعرابي قال: كان ملك من ملوك بني مروان إذا أراد أن يقعد للمظالم أقام غلاما حسن الوجه ينشد: [من السريع]
إنّا إذا مالت دواعي الهوى
…
واستمع الصامت للقائل
واصطرع الناس بألبابهم
…
بالمنطق الجائر والعادل
(1) هنالك أخبار كثيرة تدل على أن النظر في المظالم لم يكن أمرا حادثا وإنما وجد أيام الرسول واتسع الأمر فيه أيام عمر؛ بل إن أبا بكر كان أيضا يحاسب عماله، وهو ما ينقله الخزاعي أيضا عن الاكتفاء (راجع نقد هذا الباب عند الكتاني في التراتيب 1: 268 وما بعدها) .
لا نجعل الباطل حقا ولا
…
نلطّ دون الحقّ بالباطل
نكره أن تسفه أحلامنا
…
فتخمل الدهر مع الخامل
ثم يأخذ في عمله. انتهى.
قال القاضي أبو بكر في «الأحكام» (4: 1631) أيضا: ثم صارت تلك سنة فكان بنو العباس يجلسون لها وهي قصة دارسة، على أنها في أصل وضعها داخلة في القضاء. انتهى.
ومن أخبار المأمون عبد الله بن الرشيد هارون العباسي أنه كان يجلس للمظالم في يوم الأحد، فنهض ذات يوم من مجلس نظره فلقيته امرأة في ثياب رثّة فقالت:
يا خير منتصف يهدى له الرّشد
…
ويا إماما به قد أشرق البلد
تشكو إليك عميد الملك أرملة
…
عدا عليها فما تقوى به أسد
فابتزّ منها ضياعا بعد منعتها
…
لمّا تفرّق عنها الأهل والولد
فأطرق المأمون يسيرا ثم رفع رأسه وقال:
من دون ما قلت عيل الصبر والجلد
…
وأقرح القلب هذا الحزن والكمد
هذا أوان صلاة الظهر فانصرفي
…
أحضري الخصم في اليوم الذي أعد
المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا
…
أنصفك منه وإلا المجلس الأحد
فانصرفت، وحضرت في يوم الأحد أول الناس فقال لها المأمون: من خصمك؟ فقالت القائم على رأسك، العباس بن أمير المؤمنين، فقال المأمون لقاضيه يحيى بن أكثم، وقيل بل قاله لوزيره أحمد بن أبي خالد: أجلسها معه وانظر ما بينهما، فأجلسها معه ونظر بينهما بحضرة المأمون، فجعل كلامها يعلو، فزجرها بعض حجّابه، فقال: دعها فإن الحقّ أنطقها، والباطل أخرسه، فأمر بردّ ضياعها عليها
…
ذكر القصة الماوردي في «الأحكام» (84) .
فائدة لغوية:
في المحكم» (2: 155) الضّيعة: الأرض المغلّة، والجمع ضيع وضياع.