الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع عشر في البناء
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول فيما بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
1- مسجد قباء:
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى في «السير» (1: 493- 494) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف ثم أحد بني عبيد، وأقام بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجده، ثم أخرجه الله تعالى من يبن أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فالله أعلم. انتهى.
وقال أبو القاسم السهيلي رحمه الله تعالى في «الروض الأنف» (4: 254) : ذكر ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسس مسجد قباء كان هو أوّل من وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر، ثم أخذ الناس في البنيان. انتهى.
قلت: فيتخرّج من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من بنى مسجدا في الإسلام.
2- مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم ومساكنه بدار بني النجار:
روى البخاري (5: 86) رحمه الله تعالى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه
قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة، في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف، قال: فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النّجار، فجاءوا متقلّدي سيوفهم، وكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: وكان «1» يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم. قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملأ بني النجّار فجاءوا، فقال: يا بني النجار ثامنوني حائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم- كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خرب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسوّيت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد، قال: وجعلوا عضادتيه حجارة، قالوا: وجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، ويقولون:
اللهم لا خير إلا خير الآخره
…
فانصر الأنصار والمهاجره «2»
قال ابن إسحاق (1: 496، 498) : فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغّب المسلمين في العمل، فعمل فيه المهاجرون والأنصار.
قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت أبي أيوب حتى بني له مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبي أيوب رضي الله تعالى عنه.
انتهى.
تنبيه:
حديث البخاري رحمه الله تعالى عن أنس يصحح ما كان يذكره بنو عمرو بن عوف من إقامة النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أكثر من أربعة أيام، حسبما ذكر ذلك ابن إسحاق. انتهى.
(1) البخاري: فكان.
(2)
بعد هذا في ر لفظة انتهى.
وذكر ابن جماعة رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المسجد فبني باللبن، وجعلت عضادتاه بالحجارة، وسواريه جذوع النخل، وسقفه الجريد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي الجانبين الآخرين مثل ذلك، فهو مربع، ويقال كان أقلّ من المائة، وجعل الأساس قريبا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة ثم بنوه باللبن، ثم بني النبي صلى الله عليه وسلم مساكنه إلى جنب المسجد باللبن، وسقفها بجذوع النخل والجريد. انتهى.
وقد تقدّم في باب إمام صلاة الفريضة قول السهيلي في «الروض الأنف» (4: 267) أن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تسعة، بعضها من جريد مطيّن بالطين، وسقفها جريد، وبعضها من حجارة مرضومة بعضها على بعض مسقفة بالجريد أيضا، وكان لكلّ بيت حجرة، وكانت حجرة النبي صلى الله عليه وسلم أكسية من شعر مربوطة بخشب عرعر. انتهى.
الدكان لجلوسه صلى الله عليه وسلم:
ذكر أبو محمد ابن حيان رحمه الله تعالى في «كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم» (66) عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله تعالى عنهما قالا «1» : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب ولا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين، فكان يجلس عليه ونجلس بجانبيه.
فوائد لغوية في ثمان مسائل:
الأولى: في «المحكم» : البناء نقيض الهدم، بناه بنيا وبناء وبنيانا وابتناه، والبناء: المبنيّ، والجمع أبنية، وأبنيات جمع الجمع، والبنّاء مدبّر البنيان وصانعه، والبنية والبنية: ما بنيته. وفي «الجامع» : البنية والبنية: اسم الشيء
(1) أورد مسلم هذا الحديث أيضا في كتاب الإيمان من صحيحه، وقد نبه الكتاني على ذلك (2: 78) .
المبني، والبنى بكسر الأول مقصور جمع بنية، ومنهم من يضم أوله ويقصر أيضا فيكون هو البنى جمع بنية أيضا.
الثانية: في «المعجم» (3: 1045) قباء- بضم القاف ممدود- من العرب من يذكّره ويصرفه ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه.
الثالثة: في «الصحاح» (1: 293) المكث: اللّبث والانتظار، وقد مكث ومكث، والاسم المكث والمكث بضم الميم وكسرها، وتمكّث: تلبّث، وصار «1» متمكّثا أي متلوّما.
الرابعة: في «المشارق» (1: 231- 232) قوله في موضع المسجد: خرب، ضبطوه بفتح الخاء وكسر الراء [وبكسر الخاء وفتح الراء وكلاهما صحيح] «2» قال في «المشرع الروي» : هو بقايا الأطلال والجدرات. وفي «الصحاح» (1: 119) الخراب: ضد العمارة، وقد خرب الموضع بالكسر فهو خرب، ودار خربة، وأخربها صاحبها، وخربوا بيوتهم، شدّد لفشوّ الفعل أو للمبالغة.
الخامسة: في «الصحاح» (1: 506) : أعضاد كل شيء: ما يشد عواليه «3» من البناء وغيره كأعضاد الحوض، وهي حجارة تنصب حول شفيره، وكذلك عضادتا الباب، وهما جنبتاه «4» . وفي «المحكم» (1: 241) عضادتا الباب: ناحيتاه.
السادسة: الجوهري (6: 2192) اللبنة يبنى بها، والجمع لبن مثل: كلمة وكلم؛ قال الراجز [من الرجز]
ولا يزال قائل أبن أبن
…
دلوك عن حدّ الضروس واللّبن
«5»
(1) الصحاح: وسار.
(2)
زيادة توضيحية من المشارق.
(3)
الصحاح: حواليه.
(4)
الصحاح: وهما خشبتاه من جانبيه.
(5)
الرجز لسالم بن دارة وقيل لابن ميادة في اللسان (لبن) نقلا عن المحكم برواية إذ لا يزال، وعن الجوهري برواية: إما يزال. والضرس: تضريس طي البئر بالحجارة.