الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه:
كان مجاشع بن مسعود مع أهل الجمل، وانحاز عنهم حكيم بن جبلة في نصر عثمان بن حنيف عامل عليّ رضي الله تعالى عنه على البصرة، فوقعت بينهم حرب قتل فيها من الفريقين قتلى، فذلك اليوم هو الذي أراد أبو عمر بقوله في الجمل الأول، قاله ابن الأثير في تاريخه.
وقال: حكيم بن جبلة- بضم الحاء وفتح الكاف- وقيل بفتح الحاء وكسر الكاف.
فائدة لغوية:
الجوهري (4: 1683) خذّل عنه أصحابه تخذيلا: أي حملهم على خذلانه، وتخاذلوا: أي خذل بعضهم بعضا.
الفارابي (2: 128) خذل بفتح الخاء في الماضي يخذل بضمها في المستقبل خذلانا، والخذلان ضدّ النصر.
الفصل الثاني في ذكر خبره رضي الله تعالى عنه في تخذيل بني قريظة والمشركين
قال ابن إسحاق (2: 229- 233) : ثم إنّ نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا إن استطعت فإن الحرب خدعة. فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إنّ قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحوّلوا منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة
أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، فلا طاقة لكم به إن خلا لكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه، فقالوا: أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه من رجالهم: قد عرفتم ودّي لكم وفراقي محمدا، وأنه قد بلغني أمر رأيت عليّ حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني، قالوا: نفعل، قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنّا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم: نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا؛ ثم خرج حتى أتى غطفان فقال:
يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي، وأحبّ الناس إليّ ولا أراكم تتهموني قالوا:
صدقت ما أنت عندنا بمتّهم، قال: اكتموا عني، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت، وكان ذلك من صنع الله لرسوله، أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرّستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك منه، فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحقّ، فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين أنهت إليهم الرسل بهذا: إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن
مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنّا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم، وخذّل الله تعالى بينهم، وبعث عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه ليلا لينظر ما فعل القوم.
فحدث حذيفة رحمه الله تعالى ورضي عنه وقد قال له رجل من أهل الكوفة:
يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعنون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الرجل: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحمناه على أعناقنا، فقال حذيفة: يا ابن أخي لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلّى هويّا من الليل ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ - يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة- أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد؛ فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنّ شيئا حتى تأتينا، فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه، قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي فقلت: من أنت؟ فقال: فلان بن فلان، وذكر ابن عقبة أنه فعل ذلك بمن يلي جانبيه يمينا ويسارا، قال: وبدرهم المسألة خشية أن يفطنوا له. قال حذيفة: ثم قال أبو سفيان:
يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم،
ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني، ثم شئت، لقتلته بسهم. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه، فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليّ طرف المرط ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلّم أخبرته الخبر. وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلدهم، ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون معه.
فوائد لغوية في أربع مسائل:
الأولى: قوله عليه السلام: الحرب خدعة: حكى القاضي في «المشارق» (1: 231) فيها أربع لغات فتح الخاء وسكون الدال. قال أبو ذر: وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم. والثانية: بضم الخاء وسكون الدال أيضا.
والثالثة: ضم الخاء وفتح الدال. والرابعة: فتحهما معا. وقال: من قال خدعة بفتح الحاء وسكون الدال، أي ينقضي أمرها بخدعة واحدة، أي من خدع فيها خدعة زلّت قدمه ولم يقل، فلا يؤمن شرّها وليتحفظ من مثل هذا، ومن قاله بضم أولها وسكون ثانيها فمعناها: أنها تخدع أي أهل الحرب ومباشريها، ومن قال بضم الأول وفتح الثاني فمعناه: أنها تخدع من اطمأنّ إليها، وأن أهلها كذلك، ومن فتحهما فخدعة جمع خادع أي أهلها بهذه الصفة فحذف أهلها وأقام الحرب مقامهم كما قال تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ.
الثانية: قال الخشني (2: 305) : ضرّستكم الحرب، أي نالت منكم كما يصيب ذو الأضراس بأضراسه.
الثالثة: قال الخشني (2: 305) : تنشمروا: تنقبضوا وتسرعوا إلى بلادكم.
الرابعة: في «المحكم» : مضى هويّ من الليل وتهواء أي ساعة منه؛ وفي «الديوان» (4: 56) : على وزن سويّ بفتح الهاء.