الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في الوزان
روى مسلم (1: 471) رحمه الله تعالى عن محارب «1» : سمع جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه يقول: اشترى مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بأوقيتين وبدرهم، أو درهمين قال: فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبخت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين، فوزن لي وزادني، وروي:
ووزن لي ثمن البعير فأرجح لي صلى الله عليه وسلم.
وروى النسائي (7: 283) رحمه الله تعالى عن جابر رضي الله تعالى عنه قال:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة دعا بميزان فوزن لي وزادني.
وروى أبو داود (2: 220) رحمه الله تعالى عن سويد بن قيس «2» رضي الله تعالى عنه قال: جلبت أنا ومخرفة العبديّ «3» بزّا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا بسراويل، فبعناه وثمّ رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: زن وأرجح.
وذكر أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى في «الاستيعاب» (1678) في أخبار أبي سفيان بن حرب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه من غنائم حنين، وكان شهدها معه، مائة بعير وأربعين أوقية، وزنها له بلال.
(1) محارب بن دثار السدوسي أبو دثار: محدث ثقة توفي سنة 116 (تهذيب التهذيب 10: 49) .
(2)
سويد بن قيس العبدي أبو مرحب عرف بروايته حديث «رجل السراويل» هذا، رواه عنه سماك بن حرب (الإصابة 3: 153) .
(3)
انظر الإصابة 6: 69 (وقد يصحف أحيانا إلى مخرمة بالميم) .
تنبيه:
قد تقدم من ذكر بلال رضي الله تعالى عنه في باب الأذان ما فيه كفاية، والحمد لله.
فوائد لغوية في سبع مسائل:
الأولى: ابن القوطية (3: 308) وزنت الشيء: امتحنته بما يعادله؛ ابن سيده:
وزنا وزنة. ابن طريف: وزنت الرجل ووزنت له: إذا اقتضيته ثمن شيء يوزن، وفي القرآن: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (المطففين: 3) .
ابن سيده: وإنه لحسن الوزنة جاءوا به على الأصل، ولم يعلّوه لأنه ليس بمصدر، وإنما هو هيئة الحال. الهروي: والآلة التي توزن بها الأشياء: ميزان.
الجوهري (6: 2213) : وأصله: موزان، انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، قال (4: 1422) وكفّة الميزان وكفّته- بالكسر والفتح- والجمع: كفف، والسّعدانات (1: 485) العقد التي في أسفل كفّة الميزان. انتهى. وفي «الغريب المصنف» «1» :
العقد التي في أسفل الميزان هي السّعدانات، والحلقة التي تجتمع فيها الخيوط في طرفي الحديدة: هي الكظامة؛ والحديدة: هي المعترضة «2» التي فيها اللسان وهي المنجم «3» ، ويقال لما يكتنف منها اللسان: الفياران، واحدها فيار، والخيط الذي يرفع به الميزان: العذبة.
قلت: والوزّان مما جاء على فعّال مشدّد العين على جهة النسب لذي صنعة أو حرفة يزاولها ويديمها كالنّجار والعطّار، قال الزمخشري في «المفصل» (212) في باب النسب: وقد يبنى على فعّال وفاعل على ما فيه معنى النسب من غير إلحاق الياء كقولهم: ثوّاب وجمّال ولابن وتامر، والفرق بينهما أن فعّالا لذي صنعة يزاولها ويديمها، وعليه أسماء المحترفين، وفاعلا لمن يلابس الشيء [في الجملة] .
(1) قارن بأدب الكاتب لابن قتيبة: 200.
(2)
م ط: المعرضة.
(3)
صواب العبارة كما في أدب الكاتب: والحديدة المعترضة التي فيها اللسان هي المنجم.
الثانية: صرار بالصاد المهملة المكسورة بعدها راء وألف وراء مهملتان أيضا: بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة تلقاء حرّة واقم، قاله: البكري (830) .
الثالثة: في «الصحاح» (1: 364) رجح الميزان يرجح ويرجح رجحانا أي مال، وأرجحت لفلان، ورجّحت ترجيحا: إذا أعطيته راجحا.
الرابعة: قال أبو عمر ابن عبد البر في «الاستيعاب» (1466) : مخرفة العبدي، ويقال مخرمة، والصحيح: مخرفة بالفاء، اشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل سراويل.
الخامسة: في «المحكم» البزّ: الثياب، والبزّاز: بائع البزّ، وحرفته: البزازة.
وقال الجوهري (2: 862) البزّ من الثياب: أمتعة البزّاز. وفي «الديوان» (3: 123) : البز بفتح الباء: متاع البزاز.
السادسة: في «المحكم» (4: 114)«1» هجر- بفتح أوله وثانية- مدينة البحرين معروفة، وهي معرفة لا تدخلها الألف واللام.
السابعة: في «المحكم» : السّراويل: فارسي معرّب، يذكّر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث؛ قال الشاعر «2» :[من الطويل]
أردت لكيما يعلم النّاس أنّها
…
سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه
…
سراويل عاديّ نمته ثمود
(1) ما جاء في المحكم هو: وهجر مدينة تصرف ولا تصرف.
(2)
ينسب الشعر لقيس بن سعد بن عبادة، وفيه قصة، خلاصتها أن رسولا لملك الروم طويلا وفد على معاوية، فأراد معاوية أن يريه من يبذه طولا فأرسل إلى قيس فجاء فخلع سراويله ورمى بها إلى العلج فلم تتجاوز ثندوته، فلما ليم قيس في ذلك قال تلك الأبيات؛ والحكاية تتردد في كتب الأدب، انظر مثلا الكامل للمبرد 2: 114- 115 وقال ابن عبد البر (الاستيعاب: 1293) خبره في السراويل عند معاوية كذب وزور مختلق ليس له إسناد، ولا يشبه أخلاق قيس ولا مذهبه في معاوية ولا سيرته في نفسه ونزاهته، وهي حكاية مفتعلة وشعر مزور (والبيتان في اللسان: سرل ومعهما خلاصة الحكاية) .
والجمع سراويلات. قال سيبويه «1» : ولا يكسّر، وقد قيل سراويل واحده سروالة، قال:[من المتقارب]
عليه من اللؤم سروالة
…
فليس يرقّ لمستعطف
«2» وسروله فتسرول: ألبسه إياها فلبسها.
وفي «الصحاح» (5: 1729) قال سيبويه: سراويل: واحدة، وهي أعجمية أعربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، وإن سميت بها رجلا لم تصرف، وكذلك إن حقّرتها اسم رجل لأنها مؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف.
وفي النحويين من لا يعرفه أيضا في النكرة ويزعم أنه جمع سروال وسروالة وينشد:
عليه من اللؤم سروالة
ويحتج في ترك صرفه بقول ابن مقبل «3» : [من الطويل]
فتى فارسيّ في سراويل رامح
والعمل على القول الأول، والثاني أقوى.
(1) نقله في اللسان (سرل) ومعه البيت، حتى قوله «فلبسها» .
(2)
نقله أيضا في اللسان (سرل)(قال ابن بري: قوله فهي مصروفة في النكرة ليس من كلام سيبويه) حتى قوله: والثاني أقوى.
(3)
صدر البيت: أتى دونها ذب الرياد كأنه؛ انظر اللسان (ذبب، رود، سرل) وديوان ابن مقبل: 41 وأمالي القالي 2: 164؛ وذب الرياد هو ثور الوحش، لأنه يرود أي يذهب ويجيء، والرامح: حامل الرمح؛ شبه الثور الوحشي بالفارسي ذي السراويل للسواد الذي في قوائمه.