الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع والثلاثون في الحفار للقبور
ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى في «السير» (2: 663) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة ابن الجراح يضرح لحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لأهل المدينة فكان يلحد- فدعا العباس رضي الله تعالى عنه رجلين، فقال: لأحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة ابن الجراح، وفال للآخر: اذهب إلى أبي طلحة، اللهم اختر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
تنبيه:
قد تقدم التعريف بأبي عبيدة ابن الجراح، وأما أبو طلحة هذا رضي الله تعالى عنه فقال أبو عمر ابن عبد البر في «الاستيعاب» (553) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار: أبو طلحة الأنصاري النجاري، وهو مشهور بكنيته، شهد العقبة ثم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وهو القائل [من الرجز]
أنا أبو طلحة واسمي زيد
…
وكلّ يوم في سلاحي صيد
وأبو طلحة هذا هو ربيب أنس بن مالك، خلف بعد أبيه مالك بن النضر على أمه أم سليم بنت ملحان. وعن أنس أن أبا طلحة رضي الله تعالى عنهما قرأ سورة براءة فأتى على قوله عز وجل: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخا، يا بني جهزوني جهزوني: فقالوا له: يرحمك الله قد غزوت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فقال: بل جهزوني، فغزا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها وهو لم يتغير، وكان من الرماة المذكورين من الصحابة رضي الله تعالى عن الجميع.
وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء، ثم ينثر كنانته بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة. وعن أنس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: من قتل كافرا فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم.
واختلف في وقت وفاته، فقيل سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة أربع وثلاثين، وهو ابن سبعين سنة، وصلّى عليه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم. وقال المدائني: مات أبو طلحة سنة إحدى وخمسين. انتهى مختصرا من ترجمة اسمه وترجمة كنيته.
تنبيه:
قد تقدم قول أنس إنه توفي رضي الله تعالى عنه في البحر، وهذا خلاف قول من قال إنه لما توفي صلّى عليه عثمان رضي الله تعالى عنه.
فوائد لغوية في أربع مسائل:
في «الصحاح» (2: 634) حفرت الأرض واحتفرتها، والحفير: القبر، وفي «الديوان» حفرت بفتح الماضي وكسر المستقبل. وفي «المحكم» (6: 239) القبر:
مدفن الإنسان وجمعه قبور. وفي «الصحاح» (2: 784) قبرت الميت أقبره وأقبره قبرا أي دفنته، وأقبرته أي أمرت بأن يقبر، وقال ابن السكيت: أقبرته أي صيّرت له قبرا يدفن فيه، والمقبرة والمقبرة- بضم الباء وفتحها- واحد المقابر. والضرح (1: 386)
الشقّ في وسط القبر، واللحد في الجانب، واللّحد (1: 532) بالضم لغة فيه، وقد ضرحت ضرحا إذا حفرته. وفي «المحكم» (3: 9، 194) ضرح للميت يضرح له ضرحا حفر له ضريحا، ولحد القبر يلحده لحدا وألحده: عمل له لحدا، والجمع:
ألحاد ولحود، وكذلك لحد الميت وألحده ولحد له وألحد له.
الثانية: قوله: وأبو طلحة هذا هو ربيب أنس بن مالك خلف بعد أبيه مالك بن النضر على أمه أم سليم بنت ملحان، فجعل زوج الأمّ ربيب ولدها من غيره، والصواب إن شاء الله تعالى رابّ أنس بن مالك. وفي «الغريبين» في حديث مجاهد: كان يكره أن يتزوج الرجل زوجة رابّه، قال أبو عبيد: هو زوج الأم، وهو الذي تسميه العامة: الرّبيب، وإنما الرّبيب ابن امرأة الرجل فهو ربيب لزوجها وزوجها الرّابّ وإنما قيل له: راب لأنه يربّه ويربيه بالغذاء والتربية، وابن المرأة هو المربوب، فلهذا قيل له ربيب، كما قيل قتيل وجريح. انتهى. وفي «ديوان الأدب» (3: 58، 73) للفارابي: الرّاب: زوج الأم، والربيب ابن امرأة الرجل، وأنشد هو والهروي لمعن بن أوس المزني «1» ، قال الهروي يصف ضيعة [من الطويل]
فإنّ لها جارين لن يغدرا بها
…
ربيب النّبي وابن خير الخلائق
قال الفارابي: يريد عمر بن أبي سلمة وعاصم بن عمر بن الخطاب، قال الهروي وغير واحد: كان عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: ابن طريف: جثا جثوّا وجثوا: توكأ على ركبتيه، وفي «الصحاح» (6: 2298) جثا على ركبتيه يجثو ويجثي ويجثى جثوّا وجثيا على فعول فيهما، وأجثاه غيره، وقوم جثي أيضا مثل جلس جلوسا، وقوم جلوس، وتجاثوا على الركب.
الرابعة: قال ابن سيده: نثل كنانته نثلا استخرج ما فيها من النبل. انتهى.
(1) لم يرد البيت في ديوان معن بن أوس.
وروي غيره: نثر الرجل كنانته إذا ألقى جميع ما فيها ليسهل عليه أخذ السهام وقت الرمي، أو ليتخير فيها أجودها ليرمي به: قال الراجز:
أبصرت ثمّ جامعا قد هرا
…
ونثر الجعبة وازمهرّا
وكان مثل النار أو أحرّا ولا أذكر الآن من أين حفظته.
الجزء العاشر وبه كمال التأليف في معنى الحرفة والعمالة والصناعة والنهي عن استعمال غير المسلمين من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، وعن الاستعانة بهم، وفي ما جاء في أرزاق العمال وذكر الكتب التي استخرج منها ما تضمنه هذا الكتاب
وفيه أربعة ابواب