الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو نفض الليل عن أهل الريبة، فهو عاس، وقوم عسس، مثل خادم وخدم وطالب وطلب، واعتسّ مثل عسّ، وقد نفضت المكان واستنفضته: إذا نظرت جميع ما فيه. قال زهير يصف البقرة «1» : [من الطويل]
وتنفض عنها غيب كلّ خميلة
…
وتخشى رماة الغوث «2» في كلّ مرصد
تنبيه ثان:
قد تقدم ذكر عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه في باب صاحب النعال من هذا الكتاب مما أغنى عن إعادته هنا والحمد لله.
الفصل الثالث في ذكر من ولي ذلك في زمن عمر
رضي الله تعالى عنه كان عمر رضي الله تعالى عنه يتولّى العسس بنفسه، ويستصحب معه أسلم مولاه، وربما استصحب عبد الرّحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
وقال ابن الأثير في «تاريخه» (3: 59) إن عمر رضي الله تعالى عنه أوّل من عسّ بالليل. قلت: يريد من الخلفاء، وإلا فقد ثبت أن أول من عسّ سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه حسبما تقدم ذكر ذلك في الفصل الأول من هذا الباب.
فمن أخباره في عسسه رضي الله تعالى عنه ما ذكره القاضي أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى في «المنتقى» (4: 31) قال: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يطوف ليلة بالمدينة، فسمع امرأة تنشد:[من الطويل]
ألا طال هذا الليل واسودّ جانبه
…
وأرّقني إذ لا خليل ألاعبه
(1) شرح ديوان زهير: 228 يصف البقرة الوحشية وكيف أنها حذرة تستكشف ما في الخميلة قبل أن تغامر بدخولها، والغوث: قبيلة من طيء. (2) م: الغوت؛ ط: القوت.
فوالله لولا الله لا شيء غيره
…
لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفّني
…
وأكرم زوجي أن تنال مراكبه
فلما كان من الغد استدعى عمر تلك المرأة فقال: أين زوجك؟ قالت: بعثت به إلى العراق، فاستدعى بنساء وسألهن عن المرأة مقدار ما تصبر عن زوجها، فقلن: شهرين ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر، وتفقد صبرها في أربعة أشهر، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استردّ الغازين ووجّه بقوم آخرين.
ومن أخباره أيضا في ذلك ما ذكره الثعلبي عن عبد الرّحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما، قال: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالمدينة، إذ شبّ لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال: ولا تجسسوا، فقد تجّسسنا، فانصرف وتركهم.
ومن أخباره أيضا «1» في ذلك خبره الذي ذكره الخطابي في «الغريب» (2: 20) والبكري في «المعجم» (830) والنصّ للخطابي: عن أسلم مولى عمر رضي الله تعالى عنه، قال: خرجت معه حتى إذا كنا ب «حرّة واقم» فإذا نار تؤرّث بصرار، فخرجنا حتى إذا أتينا صرارا، فقال عمر: السلام عليكم يا أهل الضوء- وكره أن يقول يا أهل النار- أدنو، فقيل: ادن بخير أودع، قال: وإذا هم ركب قد قصّر بهم الليل والبرد والجوع، وإذا امرأة وصبيان، فنكص عمر على عقبيه وأدبر يهرول حتى أتى دار الدقيق، فاستخرج عدلا من الدقيق، وجعل كبّة من شحم، ثم حمله حتى أتاهم، فقال للمرأة: ذري وأنا أحرّ لك. انتهى.
وقد ذكرت القصة في باب خازن الزرع في هذا الكتاب منقولة من تاريخ ابن الأثير بأتمّ من هذا وأعدتها الآن تكملة لمعنى الباب.
(1) رواية أسلم هذه في تاريخ الطبري 1: 2743 وسيرة عمر لابن الجوزي: 48 ولقاح الخواطر: 56/ أوالمنهج المسلوك: 13/ أوالتذكرة الحمدونية 1: 141 وشرح النهج 12: 47- 49.
فوائد لغوية في ست مسائل:
الأولى: ابن طريف، زعزعت الشيء: حركته لتقلعه، وقالت امرأة:
[من الطويل]
فو الله لولا الله أني أراقبه
…
لزعزع من هذا السرير جوانبه
هكذا أنشده رحمه الله تعالى: أني أراقبه.
الثانية: الفارابي (3: 116) : شببت النار بفتح الشين أشبّها بضمّها شبّا أي أوقدتها.
الثالثة: في «المشارق» (1: 165) أجيفوا الأبواب أي أغلقوها، والباب مجاف أي مغلق.
وأنشد ابن طريف: [من الطويل]
فتفتحه طورا وطورا تجيفه
الرابعة: في «الصحاح» (1: 153) الشّرب جمع شارب كصاحب وصحب، ثم يجمع الشّرب على شروب.
الخامسة: الخطابي (2: 20) : تؤرث: أي توقد، يقال: أرّثت النار: إذا أوقدتها.
قال عديّ بن زيد «1» : [من المديد]
ربّ نار بتّ أرمقها
…
تقضم الهنديّ والغارا
عندها ظبيّ يؤرثها
…
عاقد في الجيد تقصارا
«2» السادسة: قوله: وأنا أحرّ لك، قال البكري (830) : يريد أتّخذ لك حريرة. انتهى.
(1) شعر عدي في المعاني الكبير: 436 وشروح السقط: 1112 والسمط: 221 وديوانه: 100 (وفيه تخريج كثير ص: 221) .
(2)
الديوان: عاقد في الخصر زنارا؛ والتقصار: القلادة.
ورأيت في طرة عليه في كتاب الخطابي (2: 20) أراد أحرّك لك فحذف لعلم السامع؛ عن ابن سراج قال: وكذلك رواه الحربي والخطابي.
تنبيه:
قد شرح ما بقي من الألفاظ اللغوية التي تضمّنها هذا الخبر في باب خازن الطعام «1» ، ويأتي ذكر عبد الرّحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه في باب الأمين على الحرم في الجزء الخامس من هذا الكتاب «2» بما أغنى عن إعادة ذلك هنا والحمد لله.
(1) انظر ما يلي ص: 591- 592.
(2)
انظر ما يلي ص: 453.