الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع في الاوقاف
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في ذكر أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم
من كتاب الأحباس من كتاب ابن يونس: روي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حبس سبع حوائط أوصى له بها مخيريق لمّا قتل يوم أحد بأن يضعها حيث أراه الله تعالى، فحبسها، وهي من أموال بني النّضير، وذلك لاثنين وثلاثين شهرا من الهجرة.
وفي «السير» (2: 88- 89) لابن إسحاق: وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة بن الفطيون قال: لما كان يوم أحد قال: يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحقّ، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه وعدته وقال: إن أصبت اليوم فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل حتى قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: مخيريق خير يهود. انتهى.
قال السهيلي في «الروض الأنف» (6: 47) : وهو أحد بني النضير، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف ماله أوقافا، وهو أول حبس في الإسلام. وقال الزهري: كانت سبع حوائط، وأسماؤها: الأعواف أو الأعراف، والصافية، والدّلال، والميثب، وبرقة، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم- لأنها كانت تسكنها. انتهى.
تنبيه:
ذكر القاضي في «الإكمال» صدقات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وذلك وصية مخيريق اليهودي له عند إسلامه يوم أحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير، فهذا يدلّ على إسلام مخيريق. ولم يذكره أبو عمر في «الاستيعاب» ولا ابن فتحون في «الذيل» .
وقال الماوردي في «الأحكام» (169) حكى الواقدي أن مخيريقا اليهوديّ كان حبرا من علماء بني النضير فآمن يوم أحد برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فائدة نحوية:
الحائط: حديقة النخل، وهو مذكر. وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لبني النجار في الحائط الذي بنى مسجده فيه: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، وسيأتي في باب البناء. وجاء ها هنا في كلام الزهري وكلام ابن يونس: سبع حوائط بتأنيث سبع، وإن كانت الحوائط مذكرة. قال المازري رحمه الله تعالى في «المعلم» : العرب تراعي في التذكير والتأنيث اللفظ المقرون به العدد وصيغته، هل يثبت للتذكير أو للتأنيث ولا تعتبر معناه، فتقول: ثلاثة منازل وهي تريد ثلاثة ديار وإن كانت الديار مؤنثة، لأن لفظ المنزل مذكر، وقد تعتبر المعنى أحيانا، قال ابن أبي ربيعة «1» :[من الطويل]
فكان مجني دون من كنت أتقي
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فأنّث على معنى الشخص لا على اللفظ. وحكى أبو عمرو بن العلاء أنه سمع أعرابيا يقول: فلان جاءته كتابي فاحتقرها قال، فقلت له: أتقول جاءته كتابي؟ فقال: نعم أليس بصحيفة؟ فأخبر أنه أنّث مراعاة للفظ الصحيفة الذي لم يذكره لمّا كان المعنى هذا الكتاب المذكور. انتهى.
(1) ديوان عمر: 126 (بيروت) .
قلت: وكذلك لما كانت لفظة الحوائط في معنى الحدائق ومعنى الجنّات أنث، كأنه قال: سبع حدائق أو سبع جنات. انتهى.
فوائد لغوية في ست مسائل:
الأولى: وقفت الدابة وقوفا، ووقفتها أنا وقفا: يتعدى ولا يتعدى، ووقفت الدار للمساكين وقفا، وأوقفتها بالألف: لغة رديئة. قلت: وأصل الوقف المنع والحبس، فهو في الدابة: منعها من السير وحبسها، وفي الدار: منعها وحبسها أن يتصرّف فيها في غير الوجه الذي وقفت له.
الثانية: في «المشارق» (1: 176) : حبس مخففا، وحبّس مشدّدا، واللغة الفصيحة: أحبس، قاله الخطابي. وقال صاحب «الأفعال» : أحبست الفرس وحبسته لغة. وفي «الصحاح» (2: 912) : أحبست «1» فرسا «2» في سبيل الله عز وجل أي وقفت فهو محبس وحبيس، والحبس بالضم: ما وقف. وفي «مثلث» ابن السيد:
الحبس بضمّ الحاء وسكون الباء: ما حبس في سبيل الله تعالى وهو جمع حبيس، وقلّما يجمع فعيل على فعل إذا كان بمعنى مفعول، ويجعل اسما مفردا لا جمعا، لأنهم قالوا في جمعه: أحباس.
الثالثة: الحائط: وقد تقدّم أنّه الحديقة من النخل. وفي «المحكم» (3: 372) الحائط: الجدار [لأنه] يحوط ما فيه، والجمع: حيطان، وحوّط حائطا: عمله فسمّيت الحديقة حائطا من هذا، لأنّه يحوطها، كما سمّيت حديقة لإحداق الحائط بها. وقد تقدّم قول البخاري رحمه الله تعالى في باب الخرص: كلّ بستان عليه حائط فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة.
(1) م ط: احتبست.
(2)
فرسا، سقطت من م ط (وهي ثابتة في الصحاح) .
الرابعة: في «الصحاح» (4: 1467) المخراق: المنديل يلفّ ليضرب به، عربيّ صحيح، قال عمرو بن كلثوم «1» :[من الوافر]
كأنّ سيوفنا منّا ومنهم
…
مخاريق بأيدي لاعبينا
وفلان مخراق حرب يخفّ فيها. انتهى. قلت: يحتمل مخيريق أن يكون مشتقّا من أحدهما.
الخامسة: الفطيون، وهو اسم أعجميّ، قاله: ابن سيده. وفي «جامع الاشتقاق» : هو اسم عبرانيّ ومعناه: الملك. قلت: هو على وزن فرعون ووزن فرحون. المحسّة: التي تحسّ بها الدواب.
السادسة: في أسماء الحوائط التي أوقفها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثلاثة أنواع: النوع الأول: ما ذكر أصل تسميته وهو «مشربة أمّ إبراهيم» قال السهيليّ في «الروض الأنف» (6: 47) ومحمّد بن فرج «2» في كتاب «أقضية النبي صلى الله عليه وسلم» : إنما سميت بذلك لأنها كانت تسكنها.
وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (54) ذكر الزبير أن أمّ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مارية، ولدته بالعالية في المال الذي يقال له اليوم مشربة إبراهيم بالقفّ.
وفي «ديوان الأدب» (1: 287) المشربة، بفتح الميم وضمّ الراء: الغرفة، وفتح الراء لغة فيها.
والنوع الثاني: ما لم يذكر أصل تسميته، لكن له معان في اللّغة يحتمل أن
(1) شرح السبع الطوال: 397.
(2)
محمد بن فرج المعروف بابن الطلاع، قرطبي كان مقدما في الفتوى والشورى معظما عند الخاصة والعامة لا تأخذه في الله لومة لائم، وكتابه الذي يشير إليه المؤلف هو الذي يقول فيه ابن بشكوال: وجمع كتابا حسنا في أحكام النبي عليه السلام، وتوفي سنة 497 (الصلة: 534 وترتيب المدارك 8: 180) وقد ذكر ابن الطلاع في آخر كتابه أن الذي حمله على جمعه هو أنه رأى لابن أبي شيبة كتابا في الموضوع صغيرا غير مستوف للموضوع (التراتيب 1: 252 وفيه سرد لبعض من ألف في الأقضية فتأمله) .
يصرف إليها، فمن ذلك «الأعراف» بالراء أخت الزاي: الجرف الذي يكون على الفلجان، والفلجان سواقي الزرع. وفي «الصحاح» (1: 335) الفلج: نهر صغير، قال العجاج «1» :[من الرجز]
فصبّحا عينا روى وفلجا «2»
والفلج بالتحريك لغة فيه، قال عبيد «3» :
أو فلج ببطن واد
…
للماء من تحته قسيب
ومن ذلك «الميثب» : في المحكم في الثاء والباء والواو: والميثب: اسم موضع، قال النابغة الجعدي «4» [من المتقارب] :
أتاهنّ أن مياه الذّها
…
ب فالأوق فالملح فالميثب
وفي «الجامع» في الهمزة والثاء والباء: الميثب: جبل بالمدينة، وإيّاه أرادت أم حكيم رضي الله تعالى عنها ترثى النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرّم:
[من المتقارب]
تبكّي العفاة على ربها
…
بحزن وجاوبها الميثب
قال: وهو موضع صدقته عليه السلام. وفي «المعجم» (1282) ميثب- بكسر أوله وثاء مثلثة مفتوحة بعدها باء معجمة بواحدة- موضع تقدم ذكره في رسم تيماء وهو موضع صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك برقة: في «ديوان الأدب» (1: 171) البرقة- بضم الباء وسكون الراء- غلظ فيه حجارة ورمل؛ زاد ابن سيده: فإذا اتسعت البرقة فهي الأبرق.
(1) ديوان العجاج: 30 واللسان (فلج) ولا تصح قراءته بتسكين اللام تبعا لقافية الأرجوزة.
(2)
ديوان العجاج: 30 واللسان (فلج) ولا تصح قراءته بتسكين اللام تبعا لقافية الأرجوزة.
(3)
ديوان عبيد: 12 واللسان (فلج) .
(4)
ديوان النابغة الجعدي: 24 واللسان (وثب) .