الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عليه وسلم لأحد من المسلمين، وذلك أنّ بعثه وبعث عبيدة كانا معا، فشبّه ذلك على الناس، وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعرا يذكر فيه أن رايته أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان حمزة رضي الله تعالى عنه قد قال ذلك فقد صدق إن شاء الله تعالى، لم يكن يقول إلا حقا، والله أعلم أي ذلك كان.
فأما ما سمعنا من أهل العلم عندنا فعبيدة بن الحارث أول من عقد له.
والذي قاله حمزة رضي الله تعالى عنه في ذلك- فيما يزعمون- قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحمزة: [من الطويل]
فما برحوا حتى انتدبت لغارة
…
لهم حيث حلّوا أبتغي راية الفضل
بأمر رسول الله أول خافق
…
عليه لواء لم يكن لاح من قبلي
لواء لديه النصر من ذي كرامة
…
إله عزيز فعله أفضل الفعل
فوائد لغوية في خمس مسائل:
الأولى: «الأبواء» : في «المشارق» (1: 57) بفتح الهمزة وباء بواحدة ساكنة ممدودة، قرية من عمل الفرع من عمل المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا فيها توفيت أم النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: عبيدة بن الحارث بضم العين على لفظ التصغير، قاله عبد الغني.
الثالثة: ثنيّة المرة قال البكري (1209) : تخفيف المرأة.
الرابعة: سيف البحر: ساحله، قاله أبو ذر الخشني في «غريب السيرة» (151، 456) .
الخامسة: في «غريب السير» (151) لأبي ذر الخشني: العيص هنا موضع، وأصل العيص منبت الشجر.
ذكر أنسابهم وأخبارهم
رضي الله تعالى عنهم:
1- حمزة بن عبد المطلب
رضي الله تعالى عنه: في «الاستيعاب» (369) :
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقال له أسد الله وأسد رسوله، يكنى أبا عمارة وأبا يعلى، بابنيه عمارة ويعلى. أسلم في السنة الثانية من المبعث، وقيل بل كان إسلام حمزة بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في السنة السادسة من مبعثه، صلى الله عليه وسلم، وكان أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، وهذا لا يصحّ عندي، لأن الحديث الثابت أن حمزة وعبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين. وذكر البكائي عن ابن إسحاق قال: كان حمزة أسنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين. قال المدائني: أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عبد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة، وخالفه ابن إسحاق فجعلها لعبيدة بن الحارث. قال ابن إسحاق (1: 595) : وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة.
ولم يدرك الإسلام فأسلم من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم إلا حمزة والعباس رضي الله تعالى عنهما.
وشهد حمزة بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا مشهورا، وقيل إنه قتل عتبة بن ربيعة مبارزة يوم بدر؛ قاله موسى بن عقبة، وقيل بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزة، قاله ابن إسحاق وغيره، وقتل يومئذ طعيمة بن عدي أخا المطعم بن عدي، وقتل يومئذ أيضا سباعا الخزاعي، وقيل بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل، وشهد أحدا بعد بدر فقتل يومئذ شهيدا، قتله وحشي بن حرب الحبشي، مولى جبير بن مطعم بن عدي على رأس اثنتين وثلاثين شهرا من الهجرة، وكان يوم قتل ابن تسع وخمسين سنة، ودفن هو وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.
وعن غير ابن إسحاق قال: كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين، فقال قائل: أي أسد! فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على
ظهره فانكشف الدرع عن بطنه، فطعنه وحشي الحبشي بحربة- أو قال: برمح- فأنفذه.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: حمزة سيد الشهداء- وروي: خير الشهداء- ولولا أن تجد صفية لتركت دفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع.
قال ابن جريج «1» : مثّل الكفار يوم أحد بقتلى المسلمين كلّهم إلا حنظلة بن الراهب، لأن أبا عامر الراهب كان يومئذ مع أبي سفيان، فتركوا حنظلة لذلك.
ولم يمثّل بأحد ما مثّل بحمزة، بقرت هند بطنه وقطعت كبده وجعلت تلوكها ثم لفظتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو دخل بطنها لم تدخل النار، وجدعت أنفه وقطعت أذنيه رضي الله تعالى عنه. وعن جابر بن عبد الله قال:
لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلا بكى، فلما رأى ما مثّل به شهق.
وعن أبي هريرة قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد قتل ومثّل به، فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه، فقال: رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات، فو الله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلنّ بسبعين منهم قال: فما برح حتى نزلت: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (النحل: 126) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل نصبر، وكفّر عن يمينه. انتهى.
وقال ابن إسحاق في السير (2: 99) : ومرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على دار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وبني ظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، ثم قال: لكنّ حمزة لا بواكي له. فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عمّ رسول الله
(1) ابن جريج: سقطت من م.
صلى الله عليه وسلم، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهنّ على حمزة خرج عليهنّ وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتنّ بأنفسكن.
وقال ابن هشام: ولما سمع بكاءهن قال صلى الله عليه وسلم: رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما علمت «1» لقديمة، مروهنّ فلينصرفن، قال ابن هشام: ونهى يومئذ عن النوح. انتهى.
قال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (374) وذكر الواقدي قال: لم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن حمزة لا بواكي له إلى اليوم إلا بدأت البكاء على حمزة ثم بكت ميّتها.
وأنشد أبو زيد عمر «2» بن شبة لكعب بن مالك يرثي حمزة، وقال ابن إسحاق (2: 162- 163) : هي لعبد الله بن رواحة «3» : [من الوافر]
بكت عيني وحقّ لها بكاها
…
وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الاله غداة قالوا
…
أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
…
هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدّت
…
وأنت الماجد البرّ الوصول
عليك سلام ربك في جنان
…
يخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا
…
فكلّ فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم
…
بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عنّي لؤيا
…
فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا
…
وقائعنا بما يشفى الغليل
(1) م: عملت.
(2)
م ط: عمرو (ط: شيبة) .
(3)
انظر ديوان كعب: 252 وديوان ابن رواحة: 132 وفي كليهما تخريج كثير.