الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك القضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله.
فائدتان لغويتان:
الأولى: الجند: بفتح الجيم والنون معا، قاله البكري في المعجم (397)، وأنشد:[من الرجز]
تنقّلا من بلد إلى بلد
…
يوما بصنعاء ويوما بالجند
الثانية: في «الأفعال» لابن طريف: ما ألوت في حاجتك وما ألوتك نصحا:
ما قصّرت بك عن جهدي على فعل بفتح الفاء والعين، وأنشد لحاتم الطائي «1» :
[من الطويل]
وإني لا آلو بمالي صنيعة
…
فأوّله زاد وآخره ذخر
انتهى.
الفصل الثالث في ذكر أنسابهم وأخبارهم رضي الله تعالى عنهم
1- عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه: قد تقدم ذكره في باب الوزير بما أغنى عن الإعادة هنا والحمد لله كثيرا.
2- علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه: في «الاستيعاب» (1089) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، يكنى أبا الحسن.
(1) ديوان حاتم: 213.
وقال ابن إسحاق: أول من آمن بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب وهو قول ابن شهاب، إلا أنه قال: من الرجال بعد خديجة.
(1092)
قال: وسئل محمد بن كعب القرظي عن أول من أسلم عليّ أو أبو بكر؟ قال: سبحان الله: عليّ أولهما إسلاما، وإنما شبّه على الناس لأن عليا أخفى إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه، ولا شكّ عندنا أن عليّا أولهما إسلاما.
(1094)
وعن ابن عمر: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى (1095) : هذا أصحّ ما قيل في ذلك.
(1096)
وقال علي رضي الله تعالى عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، لا يصلي معه غيري إلا خديجة. وأجمعوا أنه صلّى القبلتين، وهاجر وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد وأنه أبلى ببدر وأحد وبالخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده في مواطن كثيرة، ولم يتخلّف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ قدم المدينة إلا تبوك فإنه خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى عياله بعده، وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، وقال في كل واحدة منهما لعلي رضي الله تعالى عنه: إنه أخي في الدنيا والآخرة، وآخى بينه وبين نفسه.
(1099)
وروى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم، كل واحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خمّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وبعضهم لا يزيد على: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وروى سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وسهل بن سعد وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبد الرّحمن بن عمرو وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوع، كلّهم بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر:
لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرّار يفتح الله على يديه. ثم دعا بعليّ وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه، وهي كلها آثار ثابتة.
(1105)
وعن زر بن حبيش قال: جلس رجلان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة، فلما وضعا الغداء بين أيديهما مرّ بهما رجل فسلّم، فقالا: اجلس للغداء، فجلس وأكل معهما واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية، فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم، وقال: خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما، فتنازعا، وقال صاحب الخمسة الأرغفة: لي خمسة دراهم ولك ثلاثة دراهم، فقال صاحب الأرغفة الثلاثة لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقصّا عليه قصتهما. فقال لصاحب الثلاثة: قد عرض صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة، فقال: لا والله لا رضيت منه إلا بمرّ الحق، فقال علي: ليس لك في مرّ الحقّ إلا درهم، وله سبعة، فقال الرجل: سبحان الله يا أمير المؤمنين:
هو يعرض عليّ ثلاثة فلم أرض، وأشرت عليّ بأخذها فلم أرض، وتقول لي الآن: إنه لا يجب في مر الحق إلا درهم واحد؟! فقال له علي: عرض صاحبك أن تأخذ الثلاثة صلحا فقلت: لا أرضى إلا بمرّ الحق، ولا يجب لك في مرّ الحقّ إلا درهم واحد، فقال له الرجل: فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله، فقال له علي رضي الله تعالى عنه: أليس الثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثا أكلتموها، وأنتم ثلاثة أنفس ولا يعلم الأكثر منكم أكلا ولا الأقل فتحملون في أكلكم على السواء، قال: بلى، قال: فأكلت أنت ثمانية أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر ثلثا، أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة وأكل لك واحدا من تسعة، فلك واحد بواحدك وله سبعة. فقال الرجل: رضيت الآن.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى (1115) وفضائله لا يحيط بها كتاب، وقد أكثر الناس من جمعها.
(1121)
وبويع له بالخلافة رضي الله تعالى عنه يوم قتل عثمان رضي الله تعالى عنه ورحمهما. اجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلّف عن بيعته منهم نفر فلم يهجهم ولم يكرههم، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم قعدوا عن الحقّ ولم يقوموا مع الباطل، وفي رواية أخرى: أولئك قوم خذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل.
ومن «كامل التاريخ» (3: 191) : وكان أول من بايعه طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال: إنا لله أول من بدأ بالبيعة يد شلّاء، لا يتم هذا الأمر.
قال أبو عمر في «الاستيعاب» (765) أبلى طلحة يوم أحد بلاء حسنا، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلّت إصبعه رضي الله تعالى عنه. وروى البخاري رحمه الله تعالى عن قيس بن أبي حازم قال:
رأيت يد طلحة التي وقى بها النبيّ صلى الله عليه وسلم قد شلّت.
وقال أبو عمر (1123) لما تعاقد الخوارج على قتل علي رضي الله تعالى عنه وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك، كان عبد الرّحمن بن ملجم لعنه الله تعالى هو الذي اشترط قتل علي رضي الله تعالى عنه فدخل الكوفة عازما على ذلك، واشترى لذلك سيفا بألف وسقاه السمّ- فيما زعموا- حتى لفظه، وكان في خلال ذلك يأتي عليا رضي الله تعالى عنه ويسأله ويستحمله فيحمله إلى أن وقعت عينه على قطام امرأة من بني عجل بن لجيم، وكانت ترى رأي الخوارج، وكان عليّ قتل أباها وإخوتها بالنهروان، وكانت امرأة رائعة جميلة فأعجبته ووقعت في نفسه فخطبها فقالت: قد آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه، فقال: وما هو؟ فقالت: ثلاثة آلاف وقتل عليّ بن أبي طالب، فقال: والله لقد قصدت لقتل علي بن أبي طالب والفتك به،
وما أقدمني هذا المصر غير ذلك، ولكن لما رأيتك آثرت تزويجك، فقالت: ليس إلا الذي قلت لك، قال لها: وما يغنيك أو يغنيني منك قتل عليّ، وأنا أعلم أني إن قتلته لم أفلت «1» ، فقالت له: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت، تبلغ شفاء نفسي ويهنئك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، فقال لها: لك ما اشترطت، ولقي ابن ملجم شبيب بن نجدة «2» الأشجعيّ لعنهما الله تعالى فقال: يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ فقال: وما هو؟ قال:
تساعدني على قتل عليّ بن أبي طالب، قال: ثكلتك أمك، لقد جئت شيئا إدّا، كيف تقدر على ذلك؟ قال: إنه رجل لا حرس له، ويخرج إلى المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلناه، فإن نجونا نجونا، وإن قتلنا سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة، فقال: ويلك! إن عليا ذو سابقة في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما تنشرح نفسي لمقتله، قال: ويلك إنه حكّم الرجال في دين الله، وقتل إخواننا الصالحين فنقتله ببعض من قتل، فلا تشكّنّ في دينك، فأجابه وأقبلا حتى دخلا على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها، فدعت لهم، فأخذوا أسيافهم وجلسوا قبالة السدة التي يخرج منها علي رضي الله تعالى عنه إلى صلاة الصبح، فبدره شبيب لعنه الله فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرّحمن بن ملجم لعنه الله على رأسه، وقال: الحكم لله يا عليّ لا لك ولأصحابك، فقال عليّ: فزت وربّ الكعبة، لا يفوتنكم الكلب، فشدّ الناس عليه من كلّ جانب فأخذوه، وهرب شبيب خارجا من باب كندة، فلما أخذ قال عليّ: احبسوه، فإن متّ فاقتلوه ولا تمثّلوا به، وإن لم أمت فالأمر لي في العفو أو القصاص؛ قال:
وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان صبيحة بدر، وقيل لثلاث عشرة ليلة خلت منه، وقيل لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وقيل بل بقيت من رمضان سنة أربعين، وقبض في أول ليلة مضت من العشر الأواخر منه.
(1) م: أفت.
(2)
م: بجرة.
واختلف في موضع دفنه فقيل في قصر الإمارة بالكوفة، وقيل في رحبة الكوفة، وقيل في نجف الحيرة في موضع بطريق الحيرة، وقيل قبره مجهول جهل موضعه. واختلف أيضا في مبلغ سنة يوم مات، فقيل سبع وخمسون، وقيل ثمان وخمسون، وقيل ثلاث وستون، وقيل أربع وستون، وقيل خمس وستون. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام، وقيل ستة أيام، وقيل أربعة عشر يوما.
قال أبو عمر (1131) رحمه الله تعالى: ومما قيل في ابن ملجم وقطام «1» :
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة
…
كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة
…
وضرب عليّ بالحسام المصمّم
فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا
…
ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
(1133)
ومما رثي به علي رضي الله تعالى عنه قول الفضل بن أبي لهب:
[من البسيط]
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف
…
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلّى لقبلته
…
وأعلم الناس بالقرآن والسنن
من فيه ما فيهم لا يمترون به
…
وليس في القوم ما فيه من الحسن
ومن أبيات لخزيمة بن ثابت «2» بصفين: [من الخفيف]
كلّ خير يزينهم فهو فيه
…
وله دونهم خصال تزينه
(1) الأبيات تنسب لابن أبي مياس المرادي، انظر أنساب الأشراف 2: 507 (المحمودي) والطبري 1: 3467 وشرح النهج 6: 125 والأخبار الطوال: 214 وابن أعثم 4: 147 وانظر ديوان شعر الخوارج: 48- 49 ففيه مزيد من التخريج.
(2)
قد يكون هو خزيمة بن ثابت الصحابي ذا الشهادتين فقد حارب مع علي في صفين وقتل فيها (انظر الإصابة 2: 111) .
(1132)
وقال أبو الأسود الدؤلي، وأكثرهم يروونها لأم الهيثم بنت العريان النخعية «1» :[من الوافر]
ألا يا عين ويحك أسعدينا
…
ألا تبكي أمير المؤمنينا
تبكّي أمّ كلثوم عليه
…
بعبرتها وقد رأت اليقينا
ألا قل للخوارج حيث كانوا
…
فلا قرّت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا
…
بخير الناس طرّا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا
…
وذلّلها ومن ركب السّفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها
…
ومن قرأ المثاني والمبينا
وكلّ مناقب الخيرات فيه
…
وحبّ رسول ربّ العالمينا
لقد علمت قريش حيث كانت
…
بأنّك خيرها حسبا ودينا
وكنّا قبل مقتله بخير
…
نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الحقّ لا يرتاب فيه
…
ويعدل في العدا والأقربينا
وليس بكاتم علما لديه
…
ولم يخلق من المتجبرينا
فلا تشمت معاوية بن صخر
…
فإن بقية الخلفاء فينا
قال أبو عمر (1122) رحمه الله تعالى: قال الزبير: «تجوب» رجل من حمير كان أصاب دما في قومه فلجأ إلى مراد، فقال: جئت إليكم أجوب البلاد، فقيل له:
أنت تجوب فسمّي به، وهو اليوم في مراد، وهم رهط ابن ملجم المرادي، ثم التجوبي لعنه الله تعالى وأصله من حمير.
وأنشد التلمساني في «العمدة» للكميت بن زيد «2» في أبيات يرثي بها عليا رضي الله تعالى عنه: [من الخفيف]
والوصيّ «3» الذي أمال التجوبي
…
به عرش أمّة لانهدام
(1) منها أبيات منسوبة لأبي الأسود في الطبري 1: 3467 وأنساب الأشراف (المحمودي) 2: 508.
(2)
الهاشميات: 16 والكامل 3: 203.
(3)
م: والرضيّ (وفي تغيير لفظة «الوصي» دلالة واضحة) .
قال: وقطام بنت علقمة من تيم الرّباب، وقيل إنها من عجل.
فوائد لغوية في أربع مسائل:
الأولى: في «المحكم» (6: 30، 2: 207) الغداء: طعام الغدوة، وتغدّى الرجل وغدّيته، ورجل غديان. والعشاء طعام العشيّ، وتعشّى وعشيته ورجل عشيان. وفي «ديوان الأدب» (4: 45، 46) الغداء والعشاء بفتح الفاء والمد. وفي «الصحاح» «1» (6: 2444) إذا قيل لك: ادن فتغدّ فقل: ما بي من تغدّ، وفي العشاء:
ما بي من تعشّ، ولا تقل: ما بي غداء ولا عشاء لأنه الطعام بعينه. انتهى.
قلت: وداله مهملة، وأما الغذاء بكسر الغين والذال المعجمة والمدّ أيضا:
فما يكون به نماء الجسم وقوامه «2» ، غذاه يغذوه غذوا فاغتذى وتغذّى.
الثانية: قول شبيب: شيئا إدّا: قال الهروي: يقال: جاء بأمر إدّ: إذا أتى منكرا عظيما.
الثالثة: الفارابي (3: 24) : السدّة بضم السين والدال المشددة: الباب. قال أبو الدرداء: من يغش سدد السلطان يقم ويقعد.
الرابعة: نجف الحيرة، قال البكري (1299) : النجف بفتح أوله وثانيه بعده فاء: موضع معروف بالكوفة. قال الكميت «3» : [من المتقارب]
فياليت شعري هل أبصرنّ
…
بالنّجف الدهر حضّارها
قال: ونهر الحيرة مدفون «4» من الفرات إلى النجف.
(1) م: الفصيح.
(2)
م: وقيامه.
(3)
شعر الكميت: 222 (عن معجم البكري) .
(4)
كذا في ط م؛ وفي معجم البكري: مدفوق.