الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابعة: المطرز في «اليواقيت» : الجارية: الحديثة السن من الفتيات، وفي «المحكم» : الجارية الفتيّة من النساء بيّنة الجراية والجراية والجراء والجراء.
الفصل الرابع في ذكر من غنّى قوما اجتمعوا عند صاحب لهم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأقرهم عليه ولم ينكره عليهم
ذكر أبو عمر ابن عبدربه في «العقد» (6: 8) حديث عبد الله بن أبي أويس ابن عم مالك رحمه الله تعالى قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية في ظلّ فارع وهي تغني وتقول [من المقتضب]
هل عليّ ويحكما
…
إن لهوت من حرج
فقال صلى الله عليه وسلم: لا حرج إن شاء الله، قال أبو عمر: كان عبد الله من أفضل رجال الزهري. انتهى.
وروى أبو الفرج الأصبهاني هذا الخبر بأتم من هذا في كتاب «آداب السماع» فقال: حدثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال، حدثني أبي عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت وهو بفناء أطمه فارع ومعه سماطان من أصحابه وجاريته تغنيهم، فانتهى إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول:
هل عليّ ويحكما
…
إن لهوت من حرج
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا حرج.
وذكر الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري رحمه الله تعالى هذا البيت في «رسالته» (637) وزاد معه بيتين وقال: إن رجلا أنشد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم [من المقتضب]
أقبلت فلاح لها
…
عارضان كالسّبج
أدبرت فقلت لها
…
والفؤاد في وهج
هل عليّ ويحكما
…
إن لهوت من حرج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا. انتهى.
فوائد لغوية في سبع مسائل:
الأولى: فارع: اسم أطم حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه، سمي بذلك لعلوه وارتفاعه، والأطم- بضم الهمزة والطاء معا- الحصن، قاله الفارابي.
الثانية: اللهو قد تقدم معناه في الفصل الثاني من هذا الباب.
الثالثة: في «الصحاح» (1: 305) الحرج: الإثم، ومكان حرج وحرج: أي ضيق كالدّنف والدنف بمعنى واحد.
الرابعة: في «جامع اللغات» أنشدت الشعر إنشادا، والنشيد الشعر. وفي «المحكم» : فعيل بمعنى مفعل وهم يتناشدون ينشد بعضهم بعضا. وفي «الصحاح» (1: 541) استنشدت فلانا شعره فأنشدنيه.
الخامسة: في «المخصص» و «المحكم» (1: 247) العارضان: شقّا الفم، وقيل هما الخدان، وقيل جانبا اللحية. وفي «الصحاح» :(3: 1086) وقولهم فلان خفيف العارضين: يراد به خفة شعر عارضية.
السادسة: وفي «الصحاح» (1: 321) السّبج: هو الخرز الأسود، فارسي معرب.
السابعة: في «الصحاح» (4: 1525) العشق: فرط الحب، وقد عشقه عشقا:
مثل علمه علما، والتعشق: تكلف العشق. قال الفراء: يقولون امرأة محب لزوجها وعاشق.
تنبيه في توجيه هذا التشبيه:
وله وجهان: الوجه الأول: أن يكون أراد عارضي نفسه، وأن المرأة لما رأت
سوادهما استقبحته وشنئته فأدبرت، وقد أوضح هذا المعنى وشرحه أبو الحسين بن يلمش التركي أحد شعراء «الخريدة» فقال:[من الخفيف]
قالت اسود عارضاك بشعر
…
وبه تقبح الوجوه الحسان
قلت أضرمت في فؤادي نارا
…
فعلى عارضيّ منه دخان
وبيّن أبو تمام حبيب بن أوس الطائي العلة في ذلك بقوله: [من الكامل]
أحلى الرجال من النساء مواقعا
…
من كان أشبههم بهنّ خدودا
والوجه الثاني: أن يكون أراد ما أرسلته هذه المرأة على عارضيها من شعر صدغيها، فذكر العارضين وإنما يريد ما عليهما من شعر، كما قالوا: فلان خفيف العارضين، وإنما يريدون خفيف ما عليهما من الشعر، ووصف ما يرسله النساء من شعر أصداغهن على عوارضهن بالسواد أمر معروف ومسلك مألوف، ولذلك تشبهه الشعراء بالسّبج والعقارب، فمما جاء في تشبيهه بالسّبج قول يوسف بن هارون الرمادي من شعراء «الفرائد في التشبيهات» تأليف الكاتب علي بن محمد بن أبي الحسين الأصبحي الأندلسي «1» ، وذكر العارضين والصّدغين فصرّح وأوضح «2» [من البسيط]
وجه كلعبة عاج صوّرت فجرى
…
على عوارضها صدغان من سبج
وأعاد هذا المعنى فأحسن وذكر الخدين عوض العارضين فقال «3» :
[من الوافر]
أجل عينيك في خدّ رقيق
…
تجل عينيك في روض أنيق
ترى صدغين في سبج نفيس
…
مجالهما على خدي عقيق
(1) علي بن محمد بن أبي الحسين: ذكره الحميدي في الجذوة (290) وذكر أن له كتابا في التشبيهات من أشعار أهل الأندلس وأنه كان في الدولة العامرية وعاش إلى أيام الفتنة.
(2)
لم يرد في ديوانه المجموع.
(3)
لم يردا في ديوانه المجموع.
وقول بعض شعراء الأندلس، أنشدهما الكاتب أبو بكر الصابوني «1» في كتابه «مسامرة الأمراء» ولم يسمه [من الكامل]
في خدّها ماء الشبيبة جائل
…
مترقرق في وجنة من نور
وكأن صدغيها على صفحاتها
…
نونان من سبج على بلّور
وأشار بتشبيههما بالنونين إلى تعقيفهما، وقد يفعل ذلك فيهما كثيرا.
وقول القاضي يحيى بن صاعد بن يسار من شعراء «الخريدة» : [من الطويل]
ولما التقى الياقوت والدرّ والسبج
…
من الخدّ والأسنان والصدغ ذي العوج
أتاح لها الباري زمرد عينها
…
فتمّ به عقد الملاحة وازدوج
وقد أشار بوصفهما بالعوج إلى تعقيفهما، كما أشار إليه الذي قبله حسبما نبهت عليه. وإنما جعل عينها من الزمرد لأنها كانت زرقاء، وقد صرّح بذلك في قوله أيضا بمدح الزرقة في العينين:[من الكامل]
ما شانها والله زرقة عينها
…
بل صار ذاك زيادة في زينها
كادت أساود شعرها تسطو على
…
عشّاقها لولا زمرّد عينها
وأشار هنا إلى قول أصحاب الخواص: إن الحية إذا نظرت إلى الزمرد الفائق انفقأت عيناها.
ومما جاء من تشبيهها بالعقارب قول أبي حفص عمر بن إبراهيم التجاني، أنشدهما الفقيه أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي في «الاستعارات» :[من الكامل]
أخذت لآرام الفلاة نفورها
…
وخصورها والطول من أعناقها
ويودّ قلبي لدغ عقرب صدغها
…
علما بأن الريق من درياقها
(1) أبو بكر محمد بن أحمد الصابوني شاعر إشبيلية في وقته، هاجر إلى تونس وعاش في رحاب الدولة الحفصية، ثم ارتحل فأقام بالإسكندرية والقاهرة وكانت وفاته سنة 636 (اختصار القدح المعلى: 69 والوافي 2: 99 والفوات 3: 284 والمقتضب من تحفة القادم: 161 والمغرب 1: 263 وصفحات متفرقة من نفح الطيب) .
وقول الطغرائي من شعراء «الخريدة» : [من الطويل]
وغانية لم تبق من جسدي سوى
…
ذماء ولا يبقى الذّماء لما أرى
على وجنتيها عقربان تقابلا
…
وفي مقلتيها ساحران تظاهرا
وقول ابن جاخ، أنشده أبو الحسن علي بن أحمد الحرّاني في كتابه «بغية الأديب» وأحسن ما شاء رحمه الله تعالى «1» :[من المتقارب]
ولما التقينا غداة النوى
…
وقد أسقط البين ما في يدي
رأيت الهوادج فيها البدور
…
عليها براقع من عسجد
وتحت البراقع مقلوبها
…
تدبّ على ورد خدّ ندي
تسالم من وطئت خدّه
…
وتلدغ خدّ الشجي الأبعد
وتحمي عن الورد أن يجتنى
…
فقد أمن الورد من معتدي
وهذا البيت الخامس زاده ابن عبد الملك في «صلته» «2» معها زيادة في الإفادة. ووقع في الأبيات المستشهد بها على تشبيه الأصداغ بالسّبج والعقارب كلمات وجب التنبيه على ضبط ما فيها وشرح معانيها وهي أربع:
الأولى: في البلّور لغتان فتح الباء وضم اللام المشددة بعدها واو مجتلبة على وزن خرّوب، وكسر الباء وفتح اللام مشدّدة أيضا وبعدها واو ساكنة على وزن سنّور؛ قاله ابن ظفر في «شرح المقامات» والفارابي في «الديوان» (1: 332، 339) قال: وهو حجر معروف.
الثانية: في «جامع اللغات» والزّمرذ بفتح الراء وإعجام الذال هو الجوهر الأخضر، وفي «الصحاح» الزّمرذ بالضمّ والذال المعجمة: الزبرجد، وهو معرب والراء مضمومة مشددة.
(1) شعر ابن جاخ في نفح الطيب 3: 452 وورد في المطرب لابن دحية: 184 ونسبه لعلي بن إسماعيل الأشبوني وذكر أن ابن جاخ أخذ هذا الشعر وادعاه لنفسه.
(2)
يريد كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي.