الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني عشر في المشرف
قال الهروي في «الغريبين» «1» : بعث عمر رضي الله تعالى عنه بعامل ثم عزله، فانصرف إلى منزله بلا شيء، فقالت له امرأته: أين مرافق العمّال؟ فقال لها:
كان معي ضيزنان يحفظان ويعلمان، يعني الملكين.
وقال القزّاز في «جامع اللّغات» : بعث عمر رضي الله تعالى عنه بعامل فعزله، فجاء بما كان معه من المال، وانصرف إلى منزله بغير شيء، فقالت له امرأته: أين التّحف وأين مرافق العمّال؟ فقال لها: كان معي ضيزن. فتلفّعت وأتت عمر رضي الله تعالى عنهم وقالت: يا أمير المؤمنين بعثت مع زوجي بضيزن فأتاني صفر اليدين، فقال: ما فعلت، علي بزوجها، فأتاه فقال له: أنا بعثت معك بضيزن؟
فقال: كان معي ضيزنان يحفظان ويعلمان، وأشار إلى الملكين، فقال لها عمر رضي الله تعالى عنه: صدق، قد ذكرت. انصرف إلى منزلك، ثم قال لها:
ما أمّلت فيه؟ قالت: كذا وكذا، فقال: يا يرفأ، أعطها ثم أعطها، ثم قال لها:
أرضيت؟ قالت: نعم.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «في الأموال» (710) عن سعيد بن المسيّب رحمه الله تعالى أنّ عمر بعث معاذا رضي الله تعالى عنهما ساعيا على بني كلاب أو على بني سعد بن ذبيان، فقسم فيهم ولم يدع شيئا حتّى جاء بحلسه الذي خرج به على رقبته، فقالت امرأته: أين ما جئت به ممّا يأتي به العمّال من عراضة أهلهم؟ فقال: كان معي ضاغط، فقالت: كنت أمينا عند رسول الله صلّى الله عليه
(1) قارن باللسان (ضزن) .
وسلم وعند أبي بكر فبعث معك عمر ضاغطا؟! فقامت بذلك في نسائها واشتكت عمر رضي الله تعالى عنهم، فبلغ ذلك عمر فدعا معاذا فقال: أنا بعثت معك ضاغطا؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أجد شيئا أعتذر به إليها إلّا ذلك، قال: فضحك عمر وأعطاه شيئا وقال: أرضها به.
قال أبو عبيد القاسم (711) قال ابن جريج: قوله: ضاغطا، يعنى: ربّه جلّ ثناؤه.
فوائد لغوية في أربع مسائل:
الأولى: قال الهرويّ والقزّاز: الضّيزن في حديث عمر رضي الله تعالى عنه:
الحافظ الثّقة. وقال ابن سيده: الضّيزن الّذي يسمّيه أهل العراق: البندار، يكون مع عامل الخراج، وحكى اللّحياني: جعلته ضيزنا عليه: أي بندارا، ونونه أصلية عندهم، ووزنه على ذلك فيعل مثل فيصل وفيلق. وقال ابن سيده أيضا: الضّيزن:
الشّريك، والضّيزن: الّذي يزاحم على الحوض، والضيزنان، المستقيان من بئر واحدة، والضّيزن: الّذي يزاحم أباه في امرأته؛ وقال أوس بن حجر «1» : [من البسيط]
والفارسيّة فيهم غير منكرة
…
فكلّهم لأبيه ضيزن سلف
وقال اللّحيانيّ: في كلّ رجل زاحم رجلا: فهو ضيزن له.
الثانية: في «الصحاح» (3: 1279) : تلفّعت المرأة بمرطها أي تلحّفت به، واللّفاع: ما يتلفّع به.
الثالثة: في «الصحاح» (2: 916) : الحلس للبعير، وهو كساء رقيق يكون تحت البردعة، بكسر الحاء وسكون اللام. وفي «المحكم» حلس البيت: ما يبسط تحت حرّ المتاع من مسح ونحوه.
الرابعة: في «الصحاح» (3: 1088) قال: اشتر عراضة لأهلك: أيّ هديّة وشيئا تحمله إليهم.
(1) ديوان أوس: 75 واللسان (ضزن) .
تنبيه:
قد ثبت مما تقدّم أنّ بعث من يحفظ مع العامل كان من عمل الناس قديما لكنه لم يثبت فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن الخلفاء رضوان الله تعالى عليهم، لأمانة الناس حينئذ، وكونهم خير القرون، وقد استمرّ العمل عليه، ولا أعلم أوّل من عمله في الإسلام.
تنبيه ثان:
قد تقرر فيما تقدم في هذا الباب تسمية الثقة الذي يجعل مع العامل «ضيزنا» في القديم، وتسميته عند أهل العراق: بندارا، وأما تسميته مشرفا بالمغرب في هذا العصر فإنّما سمّي بذلك لاطّلاعه وإشرافه على جميع أعمال العامل.
فائدة لغوية في معنى الجباية واشتقاقها، وتصريف الفعل منها، والنّسب إليها:
الجباية: جمع المال وتحصيله؛ قال الجوهري في «الصحاح» (6: 2297) قال الكسائي: جبيت الماء في الحوض وجبوته: أي جمعته، والجابية: الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل، والجمع: الجوابي. وفي «الديوان» (4: 70) جبيت الخراج أجبيه جباية، وجبوته أجبوه جباوة أي جمعته. وقال الهروي (1: 317) : وهو حسن الجبية والجبوة؛ وفي «المحكم» : جباوة نادر. قال سيبويه: ادخلوا الواو على الياء لكثرة دخول الياء عليها. وفي «المحكم» أيضا جبى الخراج والماء في الحوض يجباه جمعه، حكاها سيبويه، وهي عنده ضعيفة. قال ابن جنى: هي كأبي يأبى شبهوا الألف في آخره بالهمزة في قرأ يقرأ، وهدأ يهدأ. وفي «تبصرة» الصّيمري «1» في النسب إلى ما كان على فعالة أو فعالة أو فعالة فيما لامه ياء وجهان: الأول: قلب الياء همزة، والثاني: قلبها واوا، ثم تدخل عليها ياء النسب كسقائي وسقاوي في النسب إلى سقاية، وأما ما لامه واو فليس فيه إلّا وجه واحد، وهو إبقاء الواو على حالها ولا تغيّر البتّة ثم تدخل عليها ياء النسب.
(1) عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري أبو محمد النحوي، كان فهما عاقلا دخل مصر، وكتابه «التبصرة» في النحو أحسن فيه التعليل على مذهب البصريين، وأهل المغرب يعتمدونه، وقد أكثر النقل عنه أبو حيان أثير الدين (انظر إنباه الرواة 2: 123 والوافي للصفدي 17: 337 وبغية الوعاة 2: 49) .
الجزء السابع في العمالات الاختزانية وما أضيف إليها
وفيه أحد عشر بابا