الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس عشر في الرجل يموت بعد أن يستوجب العطاء أو بعضه
ذكر أبو عبيد في «كتاب الأموال» (333) أن رجلا مات بعد ثمانية أشهر من السنة فأعطاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ثلثي عطائه.
وذكر أبو عبيد (332) أيضا قال: قال الزبير لعثمان رضي الله تعالى عنهما بعدما مات عبد الله بن مسعود: أعطني عطاء عبد الله، فعيال عبد الله أحقّ به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفا.
قال أبو عبيد، قال يزيد: وكان الزبير وصيّ عبد الله بن مسعود.
وذكر أبو عبيد (332) أيضا عن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا استوجب الرجل عطاءه ثم مات أعطاه ورثته.
وفي «الاستيعاب» (1827) ذكر الزبير بن بكار بسنده عن أبي وجزة عن أبيه قال «1» : حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السّلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بنيّ إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد كما أنتم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجّنت حسبكم، ولا غيّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران: 200) فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله تعالى فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجلّلت نارا على أرواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا
(1) انظر أيضا قصة الخنساء وأبنائها في طبقات السبكي 1: 260- 261 وألف باء 2: 210.
بالغنى والكرامة، في دار الخلود والمقامة. فخرج بنوها قابلين لنصحها، عازمين على قولها، فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم وأنشد أولهم يقول:[من الرجز]
يا إخوتي إن العجوز الناصحه
…
قد نصحتنا إذ دعتنا البارحه
مقالة ذات بيان واضحه
…
فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تلقون عند الصائحه
…
من آل ساسان كلابا نابحه
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحه
…
وأنتم بين حياة صالحه
أو ميتة تورث غنما رابحه
وتقدّم فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.
ثم حمل الثاني وهو يقول: [من الرجز]
إن العجوز ذات حزم وجلد
…
والنظر الأوفق والرأي السّدّد
قد أمرتنا بالسداد والرشد
…
نصيحة منها وبرّا بالولد
فباكروا الحرب حماة في العدد
…
إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم غنم الأبد
…
في جنة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل حتى استشهد رحمه الله تعالى. ثم حمل الثالث وهو يقول: [من الرجز]
والله لا نعصي العجوز حرفا
…
قد أمرتنا حدبا وعطفا
نصحا وبرا صادقا ولطفا
…
فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفّوا آل كسرى لفّا
…
أو تكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير منكم ضعفا
…
والقتل فيكم نجدة وعرفا
فقاتل حتى استشهد [رحمة الله تعالى عليه]، ثم حمل الرابع وهو يقول:
[من الرجز]
لست لخنساء ولا للأخرم
…
ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم
…
ماض على الهول خضم خضرم
إما لفوز عاجل أو مغنم
…
أو لوفاة في السبيل الأكرم
فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه وعلى إخوته. فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة، لكلّ واحد مائتي درهم، حتى قبض رضي الله تعالى عنه.
فائدة تعريفية:
في «جماهر الأنساب» (22) لأبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى: من بني الحارث بن بهثة بن سليم: العباس بن مرداس وإخوته: هبيرة وجزء ومعاوية وعمرو بنو مرداس وأمهم جميعا غير عباس وحده خنساء بنت عمرو الشاعرة.
فوائد لغوية:
قولهم في الحرب: شمّرت عن ساقها وجللت نارا على أرواقها وهي القرون جمع روق وهو القرن. وقولهم: إنها كالحة، والكالح الذي تتقلص شفتاه عن أسنانه في حال عبوسه حتى تبدو أسنانه، إنما يعنون بذلك شدّتها وعظم المشقة فيها، وليس لها ساق تقوم عليها، ولا روق تستعمله، ولا شفة ولا أسنان تكلح عنها، لكن لما كان ذلك من الأمور التي تستعمل في حال الشدة والمشقة استعيرت للحرب دلالة على ذلك.
وكذلك استعارة الاضطرام، وهو الاحتدام أيضا. واللظى وهو من أسماء النار. والوطيس وهو التنّور أو شبهه يختبز فيه. إنما هي دلالات على شدتها وعظم المشقة أيضا؛ وقولهم: حرب ضروس هي الشديدة الصعبة أيضا. قال الجوهري (2: 939) : ضرسهم الزمان: اشتد عليهم، وناقة ضروس: سيئة الخلق تعضّ حالبها. وأنشدوا في كتاب الحماسة (1: 96)«1» :
وإنّي في الحرب الضّروس موكّل
…
بتقديم نفس لا أريد بقاءها
(1) انظر شرح المرزوقي رقم: 36 وديوان قيس: 10.
تكملة:
في «المشرع الرويّ» : في الحديث قوله عليه السلام: «الآن حمي الوطيس» قال المطرزي «1» : الوطيس شبه التّنّور يخبز فيه، ويضرب مثلا لشدّة الحرب، يشبه حرّها بحره، وقال غيره: الوطيس: التّنّور نفسه، وقال الأصمعي: هي حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد يطأ عليها، فيضرب مثلا للأمر إذا اشتد، وقيل:
الوطيس جمع، واحدته: وطيسة، وهذه الكلمة هي من الكلام التي لم يسبق إليها النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) في المغرب للمطرزي (2: 254) الوطيس: التنور
…
وعن الغوري: حفرة يختبر فيها ويشتوى. وأقدر أن النقل عن المطرز.