الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في النهي عن استعمال غير المسلمين من الكفار من أهل الكتاب وغيرهم وعن الاستعانة بهم
وفيه فصلان
الفصل الأول في ما جاء من ذلك في كتاب الله عز وجل
فمن ذلك قول الله عز وجل: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران: 28) قال ابن العربي في «الأحكام» (1: 267) : هذا عموم في أن المؤمن لا يتخذ الكافر وليا في نصرة على عدو ولا أمانة، وقد نهى عمر بن الخطاب أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما عن ذمي كان استكتبه وأمره بعزله.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا (آل عمران: 118) قال ابن العربي في «الأحكام» (1: 295) أيضا لا خلاف بين علمائنا أن المراد بها النهي عن مصاحبة أهل الكتاب حتى نهى عن التشبه بهم. قال أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تستضيئوا بنار أهل الشرك، ولا تنقشوا في خواتمكم عربيا، فلم يدر ما قال حتى جاء الحسن فقال: معنى لا تستضيئوا:
لا تشاوروهم في شيء من أموركم، ومعنى لا تنقشوا عربيا: لا تنقشوا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الحسن: وتصديق ذلك في كتاب الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
…
الآية.
قال ابن عطية في «التفسير» (3: 207) : نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية أن
يتخذوا من الكفار واليهود أخلاء يأنسون بهم في الباطن من أمرهم، ويفاوضونهم في الآراء، ويستنيمون إليهم. وقوله من دونكم: يعني دون المؤمنين، قال: ويدخل في هذه الآية الكريمة استكتاب أهل الكتاب وتصريفهم في البيع والشراء والاستنامة إليهم. وروي أن أبا موسى الأشعري استكتب ذميا، فكتب إليه عمر يعنفه وتلا عليه هذه الآية. وقيل لعمر: إن ها هنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخطّ بقلم، أفلا يكتب عنك؟ فقال: إذا أتخذ بطانة من دون المؤمنين.
وقال الزمخشري في «الكشاف» : (1: 619) هذا تغليظ من الله تعالى وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تراءى ناراهما» ومنه قول عمر لأبي موسى رضي الله تعالى عنهما في كاتبه النصراني: لا تكرموهم إذ أهانهم الله، ولا تؤمنوهم إذ خونهم الله، ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله. وروي أنه قال له أبو موسى: لا قوام للبصرة إلا به، فقال: مات النصرانيّ والسلام، يعني أنه مات فما كنت صانعا حينئذ فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره.
وقال ابن شاس في «الجواهر» قال عمر بن عبد العزيز: كان المسلمون إذا افتتحوا البلاد لم يكن لهم علم بأمر الخراج حتى استعانوا «1» عليه بالعجم، ثم إن المسلمين عرفوا من ذلك ما يحتاجون إليه وكثروا فلا ينبغي أن يستعملوا في شيء من أمور المسلمين.
تنبيه:
اتفق ابن العربي وابن عطية والزمخشري على أن عمر بن الخطاب نهى أبا موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما عن استعمال كاتبه الذمي، وأمره بعزله، واختلف ابن العربي وابن عطية في الآية التي كتب له بها، فقال ابن العربي في «الأحكام» كتب له بقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى
(1) ر: فاستعانوا.