الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في كتاب العهود والصلح
وفيه فصلان
الفصل الأول في ذكر من كان يكتبها
قال أبو عمر بن عبد البر في «الاستيعاب» : كان الكاتب لعهوده صلى الله عليه وسلم إذا عهد، وصلحه إذا صالح، عليّ بن أبي طالب.
وخرّج البخاري (5: 179- 180) عن البراء: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه ألا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا، فأخذ يكتب الشرط بينهم عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، ولكن اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، قال: أنا والله محمّد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله، قال: وكان لا يكتب، فقال لعلي: امح رسول الله، فقال عليّ:
والله لا أمحاه «1» أبدا، قال فأرنيه؟ قال: فأراه، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده.
وخرّج البخاري (5: 76) أيضا حديث هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم واتباع سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، ومولاه عامر بن فهيرة، ودليلهم الديلميّ، ليردّهم على قريش للجعل الذي جعلوا فيهم،
(1) البخاري في هذا الموضع: أمحوك؛ وفي باب الصلح: 6 والله لا أمحاه.
وفيه أن سراقة قال: ركبت فرسي فرفعتها تقرّب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي، واستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرّهم أم لا؟ فخرج الذي أكره: فركبت فرسي- وعصيت الأزلام- تقرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إنّ قومك قد جعلوا فيك الدّية، وأخبرتهم «1» أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت «2» الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قالا: اخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وقال محمد بن إسحاق في «السير» (1: 489- 490) : حدثني الزهريّ أن عبد الرّحمن بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه عن عمّه سراقة حديثه حين اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال فيه: فعرفت حين رأيت ذلك- يعني ما ظهر له في فرسه- أنه قد منع مني، وأنه ظاهر، قال: فناديت القوم: أنا سراقة بن جعشم انظروني أكلمكم، فو الله لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه. قال:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: قل له ما تبتغي منا؟ فقال لي ذلك أبو بكر، فقلت: اكتب لي كتابا يكون بيني وبينك آية، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة أو في خزفة، ثم ألقاه إليّ فأخذته، فجعلته في كنانتي ثم رجعت، وهذا خلاف ما رواه البخاري عن الزهري أيضا من أن عامر بن فهيرة هو الذي كتب الكتاب، فالله أعلم أي ذلك كان.
(1) م ط: وأخبرته.
(2)
م ط: وعرضت عليهم.
فوائد لغوية في سبع مسائل:
المسألة الأولى: في «المحكم» (1: 62) العهد: التقدم إلى المرء في الشيء، والعهد الذي يكتب للولاة، وهو مشتق منه، والجمع عهود، وقد عهد إليه عهدا، والعهد: الموثق واليمين، والجمع كالجمع، وقد عاهده. وفي «الصحاح» (1: 512) العهد: الوصية، وقد عهدت إليه أي أوصيته، ومنه اشتق العهد الذي يكتب للولاة.
وفي «الديوان» (2: 230) عهد إليه يعهد، بكسر الهاء في الماضي وفتحها في المستقبل.
المسألة الثانية: في «المشارق» (1: 150) جلبّان، بضم الجيم واللام وتشديد الباء؛ كذا في أكثر الأحاديث؛ وكذا ضبطناه، وكذا صوّبه «1» ابن قتيبة، ورواه بعض الناس: جلبان بسكون اللام، وكذا ذكره الهروي، وهو الذي صوّبه «3» ، وكذا قيدناه فيه، وفي كتاب ثابت، ولم يذكر ثابت سواه، وفسر الجلبان في الحديث: القراب وما فيه. قال الحربي: يريد جفون السيوف، وقال غيره: هو شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغمودا، ويطرح فيه الراكب سوطه ويعلّقه من آخرة الرحل، وهذا هو القراب.
المسألة الثالثة: في «المشارق» (2: 190) قاضاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد فاصلهم به من المصالحة. وفي «كتاب العين» قاضاهم: عاوضهم، سميت بذلك لمعاوضة هذه العمرة بالتي في السنة المقبلة، وقال الداودي:
أقاضيك: أعاهدك وأعاقدك، والأول أصحّ وأعرف.
المسألة الرابعة: في «الصحاح» (6: 2489) محا لوحه يمحوه محوا، ويمحيه محيا [ويمحاه أيضا] فهو ممحوّ وممحيّ، وانمحى انفعل، وامتحى لغة فيه ضعيفة.
وفي «المحكم» (3: 349)«2» محى الشيء يمحاه محيا، ومحاه يمحوه محوا: أذهب أثره لأن هذه الكلمة واوية ويائية. وجاء في «الديوان» (4: 73، 91) في باب فعل يفعل
(1) سقط من ط.
(2)
لم يرد جميعه في المحكم وإنما ورد بعضه.
(3)
سقط من ط.