الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن في الشاعر
وفيه ثلاثة فصول
الفصل الأول في ذكر شعراء النبيّ صلى الله عليه وسلم
من «الاستيعاب» (1324- 1325) قال محمد بن سيرين: كان شعراء المسلمين حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. وأما شعراء المشركين:
فعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعرى، وأبو سفيان بن الحارث.
قال أبو عمر (342) : قيل لعليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: اهج عنا القوم الذين يهجوننا، فقال: إن أذن لي النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلت، فقالوا:
يا رسول الله ايذن له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عليا ليس عنده ما يراد في ذلك منه، أوليس ذلك هنالك. ثم قال: ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟
قال ابن سيرين (344) : وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، فكان حسان وكعب بن مالك يعارضانهم بمثل قولهم في الوقائع والأيام والمآثر، ويذكران مثالبهم، وكان عبد الله بن رواحة يعيّرهم بالكفر وعبادة ما لا يسمع ولا ينفع، فكان قوله يومئذ أهون القول عليهم، وكان قول حسان وكعب أشدّ القول عليهم، فلما أسلموا وفقهوا كان أشدّ القول عليهم قول عبد الله بن رواحة.
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى (898) : وفيه وفي صاحبيه حسان وكعب بن مالك نزل: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً
وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (الشعراء: 227) .
وخرج مسلم (2: 260) رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحرّكه، فقال: والذي بعثك بالحقّ لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي؛ فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك، والذي بعثك بالحقّ لأسلنّك منهم كما تسلّ الشعرة من العجين.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله. وقالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى وأشفى؛ قال حسان «1» : [من الوافر]
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برّا حنيفا
…
رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها
…
تثير النقع غايتها كداء
«2» يبارين الأعنة مصعدات
…
على أكتافها الأسل الظّماء
تظلّ جيادنا متمطّرات
…
تلطّمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتم عنّا اعتمرنا
…
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم
…
يعزّ الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا
…
يقول الحقّ ليس به خفاء
(1) ديوان حسان: 18، 17. (2) صحيح مسلم: من كنفي كداء.
وقال الله: قد يسّرت جندا
…
هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كلّ يوم من معدّ
…
سباب أو قتال أو هجاء
أمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا
…
وروح القدس ليس له كفاء
قلت: هكذا ثبت في «صحيح مسلم» رحمه الله تعالى: ثكلت بنيتي، وغايتها كداء، ويبارين الأعنّة مصعدات.
ورواه ابن إسحاق في «السير» «1» : عدمنا خيلنا، وموعدها كداء، وينازعن الأعنّة مصعدات، وهو أشعر.
وزاد ابن إسحاق في هذه القصيدة في «السير» :
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء
وقال الحاتمي في «حلية المحاضرة» (1: 330) : أنشد حسان النبيّ صلى الله عليه وسلم:
عفت ذات الأصابع فالجواء
فلما انتهى إلى قوله:
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: جزاؤك على الله جل اسمه الجنة يا حسان؛ فلما انتهى إلى قوله:
فإن أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: وقاك الله حر النار.
فلما انتهى إلى قوله:
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء
قال من حضر: هذا أنصف بيت قالته العرب.
(1) قصيدة حسان في السيرة 2: 421- 424.