الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والاربعون في الرجل يبعثه الإمام مبشرا بالفتح وفيه تلقي القوم المبعوث إليهم بالبشارة الامام في الطريق يهنئونه
وفيه فصلان
الفصل الأول في ذكر من بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرا
قال ابن إسحاق (1: 642، 643) رحمه الله تعالى في أخبار يوم بدر: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة؛ قال ابن إسحاق: ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين. انتهى.
الفصل الثاني في ذكر أنسابهم وأخبارهم رضي الله تعالى عنهم
قال ابن هشام في «السير» (1: 247) : زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ودّ بن عوف بن كنانة بن بكر ابن عوف بن عذرة بن زيد اللّات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة.
انتهى.
وكذلك نسبه ابن حزم في «الجماهر» (459)«1» .
(1) ذكر ذلك في نسب ابنه أسامة، وفيه بعض اختلاف عما ورد هنا.
وقال أبو عمر ابن عبد البر في «الاستيعاب» (542) : زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، أبو أسامة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبه كما نسبه ابن هشام وابن حزم، ووصل نسبه بقحطان؛ قال: وكان ابن إسحاق (1: 247) يقول: زيد بن حارثة بن شرحبيل، ولم يتابع على قوله: شرحبيل، وإنما هو شراحيل. وأم زيد:
سعدى بنت ثعلبة بن عامر من بني معن بن طيء. وكان زيد رضي الله تعالى عنه أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة بنت خويلد، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، وقد قيل بعشرين سنة، وطاف به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تبناه على حلق قريش يقول: هذا ابني وارثا وموروثا، يشهدهم على ذلك. وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ (الأحزاب: 5) . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرجت سعدى بنت ثعلبة أم زيد بن حارثة، وهي امرأة من طيء تزور قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن رهط أمّ زيد فاحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه منهم حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له.
وقال أبوه حارثة بن شراحيل حين فقده «1» : [من الطويل]
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحيّ يرجّى أم أتى دونه الأجل
فو الله ما أدري وإن كنت سائلا
…
أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة
…
فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيك الشمس عند طلوعها
…
وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل
(1) الأبيات في السيرة 1: 248 وأنساب الأشراف 1: 467- 468 والاستيعاب: 544 وأسد الغابة 2: 234- 235.
وإن هبّت الأرواح هيّجن ذكره
…
فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا
…
ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي عليّ منيتي
…
وكلّ امرىء فان وإن غرّه الأمل
سأوصي به قيسا وعمرا كليهما
…
وأوصي يزيدا ثم من بعده جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد، وكان أكبر من زيد، ويعني يزيد أخا زيد لأمه وهو يزيد بن كعب بن شراحيل.
فحجّ ناس من كلب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا عليّ فقال «1» [من الطويل]
أحنّ إلى قومي وإن كنت نائيا
…
فإني قعيد البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم
…
ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة
…
كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة، ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب بن شراحيل لفدائه، وقدما المدينة فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل هو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكّون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عبدك فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهلا غير ذلك؟ قالوا: ما هو؟ قال: أدعوه فأخيّره فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا. قالا: قد زدتنا على النصف وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟
قال: هذا أبي وهذا عمى، قال: فإني من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما. قال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني مكان الأب والعم؛
(1) الاستيعاب: 544 وأسد الغابة 2: 235.
فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا. فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. ودعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فنزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ فدعي يومئذ زيد بن حارثة.
وعن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه؛ قال عبد الرزاق: ما أعلم أحدا ذكره غير الزهري؛ قال أبو عمر رحمه الله تعالى: وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول من أسلم خديجة.
وشهد زيد بن حارثة بدرا، وزوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مولاته: أم أيمن فولدت له أسامة بن زيد، وبه كان يكنى، وكان يقال لزيد بن حارثة: حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أحبّ الناس إليّ من أنعم الله عليه وأنعمت عليه، يعني زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتق.
وقتل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة وهو كان الأمير على تلك الغزوة؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. فقتلوا ثلاثتهم في تلك الغزوة.
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة بكى وقال: أخواي ومؤنساي ومحدثاي. انتهى.
وقال ابن قتيبة في «المعارف» (144) كان زيد ممن أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش يوم مؤتة فاستشهد، وكان يوم مؤتة سنة ثمان، وقتل وهو ابن خمس وخمسين سنة. انتهى.
وروى أبو عمر ابن عبد البر (546) بسنده عن الليث بن سعد قال: بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف اشترط عليه الكريّ أن ينزله حيث شاء، قال: فمال به إلى خربة فقال: انزل فنزل فإذا في الخربة قتلى كثيرة، فلما أراد أن يقتله، قال له: دعني أصلي ركعتين، قال: صلّ فقد صلّى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا، قال: فلما صليت أتاني ليقتلني، قال: فقلت: يا أرحم الراحمين، قال: فسمع صوتا: لا تقتله، قال: فهاب ذلك، فخرج يطلب فلم ير شيئا، فرجع إلي فناديت يا أرحم الراحمين، ففعل ذلك ثلاثا، فإذا أنا بفارس على فرس بيده حربة حديد في رأسها شعلة من نار فطعنه بها فأنفذه من ظهره فوقع ميتا، ثم قال لي: لما دعوت المرة الأولى كنت في السماء السابعة فلما دعوت في المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت في المرة الثالثة يا أرحم الراحمين أتيتك. انتهى.
فوائد لغوية في ثماني مسائل:
الأولى: ابن طريف: بشرتك بالخير بفتح الشين وكسرها بشارة بكسر الباء وضمها وأبشرتك بالخير أيضا. وفي «الديوان» (2: 351) بشّرتك مشددا؛ وقاله ابن القوطية (1: 63) وفي «الصحاح» (2: 590- 591) وتقول: أبشر بخير بقطع الألف، ومنه قوله تعالى وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (فصلت: 30) ، والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير، وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة به كقوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ*، وبشرت الرجل بشرا وبشورا من البشرى، وكذلك الإبشار والتّبشير ثلاث لغات، وتباشر القوم: بشّر بعضهم بعضا، والتّباشير: البشرى، والبشير: المبشّر.
الثانية: في «المشارق» (2: 108) العالية ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها، والسافلة ما كان من ذلك من جهة تهامة.
الثالثة: في «المشارق» (1: 305) الرّوحاء بفتح الراء ممدود: بينه وبين المدينة
نحو أربعين ميلا. وفي كتاب مسلم: هي على ستة وثلاثين ميلا؛ وفي كتاب ابن أبي شيبة: ثلاثون ميلا.
الرابعة: في «الصحاح» (3: 1310) أيفع الغلام أي ارتفع وهو يافع، ولا يقال:
موفع وهو من النوادر، وغلام يفع ويفعة، وغلمان أيفاع ويفعة أيضا.
الخامسة: الفارابي (1: 226) بجلي هذا وبجلي، بفتح الجيم وسكونها والباء مفتوحة في اللغتين ومعناه: حسبي.
السادسة: في «الصحاح» (6: 2440) : العاني: الأسير، وقوم عناة، ونسوة عوان، وعنا فيهم فلان أسيرا: أي أقام فيهم على إساره واحتبس، وعنّاه غيره تعنية:
حبسه.
السابعة: في «ديوان الأدب» (1: 190، 239) : النصف بكسر النون وسكون الصاد: النّصف والنّصفة بالفتح: الاسم من الإنصاف. وفي «الأفعال» لابن طريف:
أنصفتك: أعطيتك حقك؛ وأنشد غيره للفرزدق «1» [من الطويل]
ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني
…
بنو عبد شمس من مناف وهاشم
الثامنة: في «المحكم» الكروة والكروة والكراء: أجر المستأجر، كاراه مكاراة وكراء واكتراه وأكراه دابته أو داره، والاسم الكرو بغير هاء عن اللحياني، وكذلك الكروة والكروة، والمكاري والكريّ الذي يكريك دابته، والجمع أكرياء لا يكسر على غير ذلك. وفي «الصحاح» (6: 2473) الكراء ممدود مصدر كاريت، والمكاري مفاعل منه، وهو من ذوات الواو، وتقول: أعط الكريّ كروته، بالكسر، أي:
كراه، وتقول: هؤلاء المكارون، وذهبت إلى المكارين، ولا تقول المكاريّين بالتشديد.
(1) البيت في اللسان (نصف) وفصل المقال: 382 وديوان الفرزدق 2: 300.
الجزء السادس في العمالات الجبائية
وفيه اثنا عشر بابا