الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني والاربعون في حفر الخندق
ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى في «السير» (2: 216) خبر اليهود، لعنهم الله، الذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع بهم، وما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون.
وذكر أبو الفرج الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه «مختصر الصفوة» (1: 215) عن كثير بن عبد الله المدني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّ الخندق، وقطع لكلّ عشرة أربعين ذراعا، فاحتجّ المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت. انتهى.
وقال ابن إسحاق في «السير» (2: 219) : وحدّثت عن سلمان الفارسي قال:
ضربت في ناحية من الخندق فغلظت عليّ «1» ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، قال: ثم ضرب به الثانية فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة قال: فلمعت أخرى، قال فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا الذي رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: أو قد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال قلت: نعم، قال: أما الأولى فإن الله فتح عليّ بها اليمن،
(1) زاد في السيرة: صخرة.
وأما الثانية فإن الله فتح عليّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح عليّ بها المشرق. انتهى.
وروى النسائي «1» رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق، عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: باسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة، قال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن مكاني هذا. قال: ثم ضرب أخرى وقال: باسم الله، وكسر ثلثا آخر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن. ثم ضرب الثالثة وقال: باسم الله، فقطع الحجر قال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء. انتهى.
قال ابن إسحاق (2: 224) وأقبل فوارس من قريش تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا: والله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها.
قال ابن هشام (2: 224) يقال إن سلمان أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وفي كتاب «نفحة الحدائق والخمائل في الابتداع والاختراع للأوائل» : أول من ضرب الخندق في الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة.
انتهى.
فوائد لغوية في خمس مسائل:
الأولى: ضرب الخندق: عمله وأنشأه، وكذلك ضرب الحائط. وفي «المحكم» : الضريبة: الطّبيعة، وهذه ضريبته التي ضرب عليها، وضربها أي طبع.
(1) قارن بما ورد في سنن النسائي 6: 43 حيث روى عن رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي شرح شعر حاتم لابن السكّيت في قول حاتم «1» : [من الطويل]
ولو شهدتنا بالمراح لأيقنت
…
على ضرّنا أنّا كرام الضرائب
والضرائب: الطبائع والخلائق.
وقال الأعلم في شرحه لقول طرفة «2» : [من الطويل]
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له
…
بتاتا ولم تضرب له وقت موعد
معنى تضرب: تجعل. يقال: ضربت له أجلا وموعدا: إذا جعلته له.
الثانية: في «المحكم» الخندق: الحفير، وخندق حوله: حفر خندقا.
الثالثة: في «الديوان» (3: 354) المعول بكسر الميم: الفأس التي تكسر بها الحجارة، وعينه مهملة.
الرابعة: في «المقصور والممدود» لابن القوطية: صنعاء مدينة باليمن، يمد ويقصر.
الخامسة: في «الديوان» (1: 224) العنق بفتح العين والنون: السير الفسيح، وأعنق يعنق إعناقا.
(1) ديوان حاتم: 204.
(2)
ديوان طرفة (شرح الأعلم) : 45.