الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوظائف؛ ذلك أيضا من طبيعة الدقة في منهجه، فإنه لو استسلم إلى مثل هذه الحوافز لخرج كثيرا عن الدائرة التي رسمها لكتابه.
وقد لفت هذا الكتاب نظر رفاعة الطهطاوي- لصلته بتفكيره في نظام الدولة- فلخصه، ثم نال إعجاب عالم مغربي هو الشيخ عبد الحي الكتاني، فعلّق عليه وأضاف إلى أجزائه وفصوله في كتابه التراتيب الإدارية، وكان أكثر جهده استكثارا وإلحاقات، وإلا فإن الخزاعيّ كان كثير الاستقصاء والتدقيق، والفرق بينه وبين الكتاني هو الفرق بين مكتبتين، يغترف منها كل واحد منهما، بحسب ما تيسر لديه من مصادر.
3- تحقيق الكتاب:
اعتمدت في تحقيق تخريج الدلالات على النسخ الآتية:
(1)
نسخة الخزانة الملكية رقم (1397) ورمزها (م) وتقع في 120 ورقة (أو 240 صفحة) وتشتمل على جميع الكتاب، ومسطرتها 17 10 وعدد السطور في الصفحة الواحدة 33 سطرا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 17 كلمة، والخط مغربي دقيق واضح؛ وهي نسخة حسنة الضبط يقل فيها الخطأ والوهم والسقط، إلا أنّ السطور العليا من صفحاتها قد طمست أو طمس بعضها أو بعض جوانبها، ولولا ذلك لحسن اتخاذها «أما» معتمدة؛ وهي في جزء واحد، ولكن جاء على هامش الصفحة (122) ما يفيد أن الكتاب كان في سفرين وأن السفر الأول ينتهي عند آخر الباب الخامس عشر من الجزء الخامس الخاص بالعمالات الجهادية، ويبدأ السفر الثاني بالباب السادس عشر من ذلك الجزء وعنوانه (في المسرج) . ويبدو أنها قرئت على نسخة عليها خط المؤلف «1» وفيها بخطه إلحاقات وزيادات، فهي على هذا تمثل الكتاب في صورته الكاملة كما أراده مؤلفه. وكان الفراغ من نسخها أواخر ربيع الثاني من عام 876 أي بعد حوالي تسعين سنة من تاريخ تأليف الكتاب.
(2)
نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم (1828) ورمزها (ط) وتقع في قسمين يتضمن الأول منهما 161 ورقة والثاني 191 ورقة، وينتهي الأول عند آخر الباب السابع عشر من الجزء الخامس عشر من الكتاب (أي يزيد بابين على القسمة في النسخة السابقة)
(1) لفظة «المؤلف» قد طمس وسطها في المخطوطة.
ومسطرتها 13 7، 7 وفي كل صفحة 21 سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد 8 كلمات، والنسخة كاملة لا نقص فيها وخطها نسخي مشرقي واضح، ولكن الأخطاء من قبيل السقط والوهم والتصحيف كثيرة، ويبدو من خطها أنها حديثة النسخ نسبيا، وعلى الصفحة الأولى منها ثلاثة تملكات يفيد أحدها أنها نقلت عن نسخة قديمة كانت بحوزة رفاعة بك الطهطاوي؛ وأن رفاعة اهتم بالكتاب فاختصره في كتابه «نهاية الايجاز» ، «ولا علم عبد الحي [يعني الكتاني] بذلك، إلا بعد أن ألف كتابه التراتيب الإدارية» «1» . وكاتب هذا التعليق هو أحمد بن الصديق، ويبدو أنه هو نفسه الذي كتب كثيرا من التعليقات على هوامش النسخة بخط مغربي حديث، وبعض تعليقاته مفيد، غير أن أكثرها مشحون بالغضب والحنق على المؤلف، وسبب ذلك الغضب أمران: الإكثار من الفوائد اللغوية وشرح ألفاظ لا تحتاج شرحا، وهو في سورة غضبه يعزو ذلك إلى أن المؤلف لم يكن «عربيا» ، والثاني حشده لتراجم الصحابة؛ ويصيب الشيخ الكتانيّ جانب من غضبه حين يقول:«وقد ادعى الشيخ عبد الحي الكتاني أنه لا توجد منه (أي من الكتاب) نسخة إلا بتونس، وهو باطل» .
وفي آخر الكتاب عبارة توهم أن في النسخة نقصا إذا جاءت على النحو التالي: «قد انتهى إلى ها هنا ما وجد من كتاب تخريج الدلالات السمعية
…
» فكتب المعلق إلى جانب ذلك: «هذه العبارة توهم أن الكتاب غير كامل، وذلك باطل وجهل من كاتبه
…
» ، وعلى ما في هذا التعليق من حدة غاضبة فإنه صحيح، إذ أن المؤلف رسم فهرست كتابه في أوله رسما دقيقا، فإذا انتهى القارىء إلى آخره وجد أن الكتاب مكتمل لا نقص فيه بحسب ذلك الفهرست.
(3)
نسخة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم (1203) جعلت رمزها (ر) وعلى الورقة الأولى أنها تمثل السفر السادس من الدلالات السمعية (وتبدأ على الورقة التالية بالجزء الثامن «في سائر العمالات وفيه عشرة أبواب» ) فهذه النسخة لا تتضمن إلا الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الكتاب؛ وهي في الأصل نسخة حبسها أمير المؤمنين محمد بن عبد الله بن اسماعيل الشريف الحسني على خزانة جامع الأشراف من الحضرة المراكشية وذلك في السادس من ذي الحجة سنة 1194 هـ. وقد كان هذا السفر
(1) انظر أيضا التراتيب الإدارية 1: 36.
السادس مكملا لنسخة كاملة، فقد معظمها، إذ جاء في آخره «انتهى السفر السادس وبه تم جميع كتاب الدلالات السمعية» ؛ ومما يلفت النظر في هذه النسخة كما في النسخة السابقة أنها لم تختم بدعاء من المؤلف نفسه، ولعلّ هذا هو الذي جعل ناسخ النسخة (ط) يقول: «قد انتهى إلى ها هنا ما وجد
…
» .
وتضم النسخة (ر) 196 ورقة (أو 392 صفحة) ومسطرتها 13 8 وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة عشرة، ومعدل الكلمات في السطر الواحد 6 كلمات، وذلك لأنها مكتوبة بخط مغربي جميل كبير محلىّ بالعطفات والمدّات التي يتميز بها الخط الكوفي، وهي نسخة متقنة حقا لولا تفشي الحبر في بعض السطور أو بعض الصفحات بحيث تصبح قراءتها عسيرة. وهي من حيث الضبط تقع وسطا بين النسختين السابقتين.
وقد لقي الكتاب شيئا من الاهتمام في العصر الحديث- كما قدمت- وكان شغف عبد الحيّ الكتاني بطلبه، مما جعله- حسب تصويره- يلاحق التعقب لمواطن وجوده حتى حصل على نسخة منه محفوظة بمكتبة جامع الزيتونة رقم (7572) من تحبيس المشير أحمد باشا بتاريخ 1256؛ استخرجها سنة 1339 هـ بمعاونة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قاضي تونس حينئذ، واستثار الكتاب إعجاب الكتاني- كما تقدم- فجعله قاعدة لمؤلفه «التراتيب الإدارية» وأضاف إليه مستعينا بمصادر لم يطلع عليها الخزاعي إما على سبيل البسط والإكثار من الأمثلة، وإما على سبيل الاستدراك، مميزا في كل موضع نصّ الخزاعي من إضافاته؛ وقد طبع التراتيب الإدارية في جزءين سنة 1346 بالرباط. ولا ريب في أن ما أضافه الكتاني مفيد في معظمه، وإن كان في جوانب منه تزيد لا يخفى. إلا أن النسخة التي اطلع عليها تنقص الجزء العاشر- وهو الجزء الختامي- من الكتاب؛ وعن هذه النسخة ظهرت الطبعة التونسية، ناقصة كذلك، ثم استكملت من بعد، بعد العثور على ما يسدّ النقص في الكتاب.
وحصلت على تلك الطبعة- في شكلها الكامل- بعون من الصديق الأكرم الأستاذ الحاج الحبيب اللمسي، الذي كان يحسّ أن الكتاب بحاجة إلى تحقيق علميّ، لأنّ الطبعة التونسية، على ما بذل فيها من جهد، لم تكن محققة على نحو يوثّق الكتاب ويذيله بالفوائد والتعليقات الموضحة؛ وقد نقل إليّ الحاج الحبيب ما يجول في خاطره من إعجاب بالكتاب وضرورة تحقيقه؛ ولم ألبث بعد قراءة الكتاب من مشاركته في
الأمرين؛ فالكتاب في فكرته الرئيسية يعد محاولة جليلة تستحق التقدير، وخاصة للجهد الذي بذله المؤلف في وضع خطته وتنفيذها، وهو أيضا بحاجة إلى تحقيق، ولكن كيف الحصول على نسخ منه؟
هنا وجدت لدى الصديق الأستاذ العالم الأديب محمد باحنيني الوزير المكلف بالشؤون الثقافية- سابقا- كلّ عون مخلص إذ تفضل مبادرا فوضع تحت تصرفي النسخ الثلاث التي تقدّم وصفها، وعليها تمّ اعتمادي في التحقيق.
وفي هذه الأثناء ظهرت طبعة للكتاب بمصر سنة 1981 قام بتحقيقها فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد محمد أبو سلامة من علماء الأزهر الشريف، وقد بذل فيها جهدا طيبا، وحاول مراجعة معظم النقول على مصادرها؛ وزود الكتاب بتعليقات مفيدة، ولا يعيب هذه الطبعة إلا كثرة ما فيها من أخطاء مطبعية. وكنت قد قطعت شوطا بعيدا في التحقيق فاستشرت الحاج اللمسي في التوقف، لأني لا أحبّ هذا اللون من تكرار الجهود في العمل على إخراج كتاب ما، فكان من رأيه أنّ لكل محقق طريقته ومنهجه، وأنه يحسّ بأمرين يعدهما هامين:
أولهما: أن هذا الكتاب تونسيّ مغربيّ، ويجب أن تضطلع دار الغرب الإسلامي بنشره وتهتم بإخراجه على صورة مرضية تمام الرضى إكمالا لما لقي من اهتمام التونسيين والمغاربة من قبل.
وثانيهما: أن محقق الطبعة المصرية- مع الاحترام لجهوده- لم يذكر على أية نسخة اعتمد، ولا من أين حصل عليها، وتحقيق الكتاب على ثلاث نسخ أمر يكفل للعمل مزيدا من الدقة.
ولقد وجدتني أقبل هذا التعليل من الحاج اللمسي بعد تردد، فأكمل ما بدأته، رغم كلّ ما كلفني ذلك من وقت في المقارنة والتدقيق؛ غير أني نهجت في تحقيق هذا الكتاب نهجا مخالفا بعض الشيء لما اتبعته في معظم ما حققته من كتب، نزولا على ما تحكم به طبيعة الكتاب نفسه؛ فالخزاعي إذا نقل نصا ذكر مصدره، ولهذا فاني بعد المقارنة بين النسخ الخطية قمت بالمقارنة بين النص المنقول والأصل المنقول عنه، ودوّنت رقم الجزء والصفحة من الأصل في صلب المتن؛ مثلا: ديوان الأدب (3:
194) ؛ المشارق (1: 236- 247) وتركت الحواشي للتعريف ببعض الأعلام، ولمقارنة
النسخ، وللخلاف بين ما ينقله المؤلف وبين ما جاء في المصدر الأصلي، ولتخريج الشعر وما أشبه ذلك. ولما كانت السيرة والاستيعاب المصدرين الكبيرين اللذين استقى منهما المؤلف مادته التاريخية فإني لم أحاول التوسع في التخريج بحيث أحيل القارىء على كتب السيرة وعلى مصادر تراجم الصحابة، إلا إذا اقتضى الأمر ذلك.
إنني أعلم أن المادة المنقولة في الاستيعاب لها ما يشبهها في أسد الغابة والإصابة وأحيانا في طبقات ابن سعد، وأن المادة لدى ابن إسحاق قد توجد في مغازي الواقدي وعيون الأثر وسيرة ابن كثير و
…
إلى غير ذلك من كتب السيرة، ولكني أعتقد أن قارىء هذا الكتاب ليس بحاجة إلى مثل هذا التزيد في التخريج، فهذه كتب معروفة مشهورة، ومن السهل الرجوع إليها إن احتيج إلى ذلك. كذلك فإن المؤلف يعتمد في الأحاديث على الصحاح الستة، وهو قد يذكر في مكان ما واحدا منها ويكون الحديث الذي يورده مذكورا في واحد أو اثنين أو أكثر من الكتب الستة، فأكتفي بتدقيق الحديث على المصدر المذكور.
وقد راجعت كلّ النصوص على المصادر المطبوعة، المتيسرة لديّ، وفي بعض الأحيان لم أدرج إلى جانب المصدر رقم الجزء والصفحة إما لأنه أعياني العثور على النص بعد البحث الطويل، وإما لأنني لم أستطع الحصول على هذا المصدر أو ذاك، وإما لأن المصدر ما يزال مخطوطا، أو لا تزال بعض أجزائه قيد الطبع.
وإلى ها هنا أسكت عن القول المباح لأدع للقارىء حقّ الاستقلال بالإفادة من الكتاب، والحكم على جهد المؤلف فيه، مقدما شكري الجزيل لكلّ من مدّ إليّ يد العون لدى العمل في إخراج هذا الكتاب.
بيروت في تموز (يوليه)1984.
إحسان عباس
تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية لعلي بن محمد ابن سعود الخزاعي