الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطلبون علم التفسير، بل جاوز الأمر ذلك حتى أصبح أمثال الفرزدق من الشعراء يفسر القرآن بحضرة كبار التابعين، ويُقَرُّ على ذلك، فقد ذكر الزمخشري أن الحسن البصري رضي الله عنه سُئِلَ عن لغوِ اليمين في الآية، وكان الفرزدق عنده، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد، دعني أجب عنك، فقال:
ولستَ بِمَأخوذٍ بلغوٍ تقولهُ
…
إذا لم تعمَّد عاقدات العزائمِ (1)
وهو في هذا يشير إلى قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89](2).
أتباع التابعين:
يُطلقُ مصطلح السلف في كتب التفسير، ويراد به طبقة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وعن هذه الطبقات الثلاث نُقِلَ كُلُّ التفسير، ولم يَعُدْ لِمَنْ بعدَهم سِوى الاختيار من أقوالهم، والترجيح بينها. وقد توسع أتباع التابعين في الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم أكثر من التابعين، نظرًا لحاجة الناس لذلك، ولبدء التدوين والتصنيف في عهدهم بشكل منظم، فقد ذكر أن أبان بن تغلب (ت 141 هـ) قد صنف كتابًا في غريب القرآن، وذكر شواهده من الشعر (3).
وابن جريج مع كونه من أول من صنف التفسير، إلا أنه لم يرد عنه من الشواهد في التفسير المنقول عنه سوى سبعة أبيات، خَمسة منها في معرض الحديث عن أسباب النُزُول، واثنان لتأكيد معنى لغوي. فقد استشهد ابن جريج بالشعر عند تفسير قوله تعالى:{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)} [آل عمران: 69] فقال: {يُضِلُّونَكُمْ} (4)، أي: يُهلكونَكُم، ومنه قول الأخطل:
(1) انظر: ديوانه 851، الكشاف للزمخشري 1/ 672 - 673.
(2)
المائدة 89.
(3)
انظر: معجم الأدباء 1/ 425.
(4)
آل عمران 69.
كُنتَ القَذَى في مَوجِ أَكْدَرَ مُزبدٍ
…
قَذَفَ الأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلالا (1)
أي: هَلَكَ هَلاكًا (2).
وعند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} [البقرة: 65](3) قال ابن جريج: السبت، النعل؛ لأنه يقطع كالطحن والرعي، سُمِّي يومُ السبت لأَنَّه قطعة زمان، قال لبيد:
وغَنيتُ سَبْتًا قبلَ مَجْرى دَاحِسٍ
…
لو كانَ للنَّفْسِ اللحومِ خُلُودُ (4)
وأما إسماعيل السدي فقد حفظت عنه روايات قليلة استشهد فيها بالشعر على تفسير القرآن، منها عند تفسيره لقوله تعالى:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)} [الفجر: 5](5) قال: لذي لُبٍّ، قال الحارثُ بن مُنبه الجَنْبِيِّ من مذحج لابنه في الجاهلية:
وَكيفَ رَجَائِي أَنْ تَثُوبَ وإِنَّمَا
…
يُرَجَّى مِن الفِتْيَانِ مَنْ كَانَ ذَا حِجْرِ (6)
وعند تفسيره لقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)} [النازعات: 34](7) قال سفيان الثوري: هي الساعةُ التي يُسَلَّمُ فيها أهلُ النار إلى الزَّبَانية، أي الداهية التي طمت وعظمت، قال:
إِنَّ بعضَ الحُبِّ يُعْمِي ويُصِمّْ
…
وكذاكَ البعضُ أَدْهَى وأَطَمّْ (8)
وذكر الطبري عن محمد بن سهل قال: سألني رجل في المسجد عن هذا البيت:
(1) ومعناه مربتط بما قبله، وهو قوله:
وإِذَا سَمَا للمجدِ فَرعَا وائلٍ
…
واستَجْمَعَ الوادي عليكَ فَسَالا
والأَتِيُّ: السيلُ الذي يأتي فجأة من كل مكان.
…
انظر: ديوانه 252.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 4/ 110.
(3)
البقرة 65.
(4)
البحر المحيط 1/ 240.
(5)
الفجر 5.
(6)
انظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 75.
(7)
النازعات 34.
(8)
لم أعثر على قائله، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 19/ 206، وتفسير سفيان الثوري 429.
دَأْبَ شَهْرَين ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا
…
بِأَرِيْكَيْنِ يَخْفِيَانِ غَمِيْرَا (1)
فقلت: يظهران.
فقال ورقاء بن إياس وهو خلفي: أقرأنيها سعيد بن جبير: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15](2) بنصب الألف (3).
وروى الكلبي عن أبي صالح وعبد الوهاب عن مجاهد في قوله تعالى في طسم الشعراء في قصة صالح وشعيب: {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153)} [الشعراء: 153](4) قالا: من المخدوعين، قال الكلبي: وهي من لغة العرب جميعًا، وأنشد:
فَإِنْ تَسأَلِينا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا
…
عَصَافِيرُ مِن هَذا الأَنَامِ المُسَحَّرِ (5)
وقوله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89](6) من هذا، وأنشدنا شعر امرئ القيس:
أَرَانَا مُوضِعِينَ لِوَقتِ غَيبٍ ونُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وبالشَّرابِ (7)
وربما أورد المفسر تفسير التابعين ثم استشهد له بشاهد من الشعر، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن عطية في تفسير قوله تعالى:{يس (1)} [يس: 2](8) عن سعيد بن جبير قال: إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم، ودليله:{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)} [يس: 3](9). وقال السَّيّدُ الحِميَريُّ (10):
(1) لكعب بن زهير، ومعنى قوله: دأب شَهرين. يقول: يدأَبُ، دَميكًا: يعني تامًّا. وقال الأصمعي: قوله: بِأَريكين: يعني موضعًا يقال له: أَريك، فضم إليه آخر فقال: بأريكين. والغمير: نَبْتٌ تصيبه السماء فينبت عنه نبت آخر، وربَّما أصاب الإبل منه داء.
…
انظر: شرح ديوانه 147.
(2)
طه 15.
(3)
تفسير الطبري (هجر) 16/ 36.
(4)
الشعراء 153.
(5)
انظر: ديوان لبيد 56.
(6)
المؤمنون 89.
(7)
انظر: ديوانه 278، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 67 - 68.
(8)
يس 1.
(9)
يس 3.
(10)
هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مُفَرِّغ الحميَري، لقبه السيد، وجده يزيد شاعر مشهور. ولد سنة 105 هـ وتوفي سنة 173 هـ. وكان سيء المعتقد. انظر: وفيات الأعيان 6/ 343.