الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - أن يكون القائل مِمَّن يُحتج بشعره
.
وهؤلاء هم شعراء الجاهلية والمخضرمون الذين أدركوا الإسلام، وشعراء الإسلام كجرير والفرزدق، والوقوف حيث وقف العلماء عند آخر من يُحتجُّ به من الشعراء وهو إبراهيم بن هرمة القرشي المتوفى سنة 145 هـ. على قول أكثر العلماء. ولا يحتجُّ بِمَن بعدهم من الشعراء المولَّدين كما تقدم تفصيل ذلك، وإن خالف في ذلك الزمخشري وغيره. وهذا من أهم شروط قبول الشاهد، فإذا ثبتت نسبته لشاعر يحتج بشعره، اطمأن المفسرون إليه، واعتمدوه في التفسير. وقد طبق المفسرون هذا الشرط في شواهدهم اللغوية والنحوية، ولم يستشهدوا بشاهد من الشعر على سبيل الاستقلال لغير من ينطبق عليه هذا الشرط، إلا الزمخشري كما تقدم في مسألة واحدة.
2 - شهرة الشاهد وذيوعه بين العلماء
.
بأن يكون من الشواهد المعروفة عند أهل العلم بالشعر، ولذلك نص العلماء على أنهم لا يعتمدون إلا على شواهد أشعار العرب المعروفة لفصحاء شعرائها، التي احتج بها أهل المعرفة المؤتمنون عليها (1)، ولذلك فلا يُحتجُّ بالشاهدِ الشاذِّ الذي انفردَ به من لا يوثق بنقله. وقد كان أهل العلم يشترطون صحة الشواهد، في أقل من تفسير القرآن كمعرفة أحوال العرب قبل الإسلام ونحو ذلك، ولذلك عندما اختلف الجاحظ مع أحدهم حول بيت من الشعر لم يعرف قائله يثبت ما ينفيه الجاحظ من بعض عادات العرب فقال الجاحظ: «فإن اتَّهمت خَبَرَ أبي إسحاق - بأن البيت مصنوع - فسَمِّ الشاعرَ، وهات القصيدة؛ فإنه لا يقبل في مثل هذا إلا بيت صحيح الجوهر، من قصيدة صحيحة، لشاعر معروف، وإلا فإنَّ كلَّ مَن يقول الشعرَ يستطيعُ أن يقولَ خَمسينَ بيتًا، كُلُّ
(1) انظر: تهذيب اللغة 1/ 6.
بيتٍ منها أجودُ من هذا البيت». (1)
- وقد رد المفسرون شواهد من هذا القبيل لعدم معرفة العلماء لها، ومن ذلك قول الشاعر:
نأْتي النِّساءَ على أَطهارِهِنَّ ولا
…
نأتي النِّساءَ إذا أَكْبَرنَ إِكبارَا (2)
فقد استدل به من يقول: إن معنى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31](3)، أي: لما رأينَهُ حِضْنَ، غير أن المفسرين ردوا هذا الاستدلال، وطعنوا في الشاهد الشعري، قال الطبري: «وقد زعم بعضُ الرواة أن بعض الناس أنشده في أَكْبَرنَ بِمعنى حِضْنَ بيتًا لا أحسب أن له أصلًا؛ لأنه ليس بالمعروف عند الرواة وذلك:
نأْتي النِّساءَ على أَطهارِهِنَّ ولا
…
نأتي النِّساءَ إذا أَكْبَرنَ إِكبارَا
وزعم أَنَّ معناهُ: إذا حِضْنَ» (4). كما رده أيضًا ابن عطية وقال فيه: «والبيت
مصنوع مختلق، كذلك قال الطبري وغيره من المحققين». (5) كما ردَّهُ أَهلُ الشِّعرِ والأَدبِ (6). وإن كان الزمخشري قد حكى هذا القول، ولم يرده. (7)
وقد سبق أن ردَّ هذا التفسير أبو عبيدة مع سعة معرفته بشعر العرب فقال: «{أَكْبَرْنَهُ}: أَجْلَلْنَهُ وأَعْظَمنَهُ، ومن زعم أَنَّ {أَكْبَرْنَهُ}: حِضْنَ، فمن أينَ؟ وإنَّما وَقَعَ عليه الفعلُ ذلك لو قالَ: أَكْبَرْنَ، وليس في كلام العرب أكبرن: حِضْن» . (8) وقال ابن منظور عن هذا التفسير: «وهذا
(1) الحيوان 6/ 278.
(2)
لم أعثر على قائله.
(3)
يوسف 31.
(4)
تفسير الطبري (شاكر) 16/ 76 - 77.
(5)
المحرر الوجيز 9/ 290.
(6)
قال الحاتِمي في رَدِّهِ على المتنبي تفسيْرَه لمعنى {أَكْبَرْنَهُ} في قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] بأَنَّهُ بِمعنى: حِضْنَ استحسانًا له: «لم يقلْ هذا أَحَدٌ مِن مُحصِّلي أَهلِ العلم، ولا شَهِدَ به ثقةٌ، وإِنَّما رُوي بيتٌ شاذٌّ لم يُنسَب إلى أَحدٍ
…
ثم ذكر البيت». الرسالة الموضحة 13.
(7)
انظر: الكشاف 2/ 465.
(8)
مجاز القرآن 1/ 309.
القول ليس بمعروف في اللغة» (1).
وقد حاول الأزهري توجيه هذا التفسير، فقال: «وأما قول الله جل وعز: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] فأكثر المفسرين يقولون: أعظمنه. وروى عن مجاهد أنه قال: أكبرنه: حضن، وليس ذلك بالمعروف في اللغة
…
قلتُ: وإن صحت هذه اللفظةُ بِمعنى الحيض فلها مَخرجٌ حَسَنٌ، وذلك أن المرأة إذا حاضت أولَ ما تحيضُ فقد خرجت من حدِّ الصِّغر إلى حد الكبر. فقيل لها: أَكبَرتْ أي حاضت فدخلت في حدِّ الكبر الموجب عليها الأمر والنهي
…
إلا أن هاء الكناية في قول الله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} ينفي هذا المعنى، فالصحيحُ أَنَّهُنَّ لَمَّا رأينَ يوسفَ راعهنَّ جَمالُه فأَعظمنَهُ» (2).
- وردَّ الطبريُّ قولَ الشاعرِ (3):
فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا
…
زَجَّ القَلوصَ أَبي مَزَادَهْ (4)
وقال فيه في معرض تضعيفه لقراءة من قرأ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137](5) بضم الزاي من (زُيِّنَ)، ورفع (قَتْلُ)، ونصب (أولادَهُم) وخفض (شُركاءِهِم)، وهي قراءة ابن عامر من السبعة (6)، قال: «ففرقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه الاسم، وذلك في كلام العرب غيرُ
(1) لسان العرب 12/ 13 (كبر).
(2)
تهذيب اللغة 10/ 211 - 212.
(3)
نُسِبَ لأحدِ المولَّدين من شعراء المدينة. انظر: خزانة الأدب 4/ 415.
(4)
زَجَّهُ: طَعَنَهُ، والمِزَجَّةُ: الرمحُ القَصيرُ، القَلوصُ: النَّاقةُ الفَتيَّةُ. انظر: معاني القرآن للفراء 1/ 358، 2/ 81، معاني القرآن للزجاج 3/ 169، الخصائص 2/ 406، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 278، الإنصاف 347، الإفصاح للفارقي 116، شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 2/ 605، الكشاف 2/ 70، البحر المحيط 4/ 229، ارتشاف الضرب 5/ 2429، خزانة الأدب 4/ 415.
(5)
الأنعام 137.
(6)
انظر: النشر 2/ 236 - 264 وفيه بيان مفصل وانتصر فيه لابن عامر، وتقدمت هذه المسألة ص 118.
فصيحٍ، وقد روي عن أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيد قراءة من قرأ بما ذكرت من قراءة أهل الشام، ورأيت رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم
…
». (1) ثم ذكره. ورد الطبري للشاهد الشعري لعدم معرفة أهل العلم به، جاء هنا تبعًا لتضعيف القراءة، وقد رد العلماء مسلك الطبري هذا في رد القراءة، والشاهدُ هنا رَدُّهُ الشاهدَ لا ردهُ القراءةَ.
ولذلك أكَّدَ المفسرون على أن القرآن الكريم لا يُحملُ على شواذ الشواهد الشعرية، وأشار الطبري في غير موضعٍ من تفسيره إلى أن:«كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهوم، ووجه معروف» . (2) كما بين أبو حيان أن كتاب الله: «ينبغي أن يُحملَ على أَحسنِ إعرابٍ، وأحسنِ تركيبٍ؛ إذ كلام الله تعالى أفصحُ الكلامِ، فلا يَجوزُ فيه ما يُجوِّزهُ النحاةُ في شعر الشمَّاخِ والطرمَّاحِ وغيرهما من سُلوكِ التقادير البعيدةِ، والمَجازاتِ المعقَّدةِ» . (3)
ولذلك كان من شروط قبول الشاهد الشعري في التفسير أن يكون شائعًا ذائعًا، قال الطوسي:«ومتى كان التأويلُ يَحتاجُ إلى شاهدٍ من اللغة فلا يُقبلُ من الشاهد إلا ما كان معلومًا بين أهلِ اللغةِ، شائعًا بينهم، وأما طريقة الآحاد من الروايات الشاردة، والألفاظ النادرة، فإنه لا يُقطعُ بذلك، ولا يُجعلُ شاهدًا على كتاب الله» . (4)
وقد طبَّقَ المفسرونَ هذا الشرطَ في شواهدهم، فلا تكاد تظفر بشاهدٍ شاذٍّ في اللغة والنحو قَبِلَه المفسرون واعتمدوا عليه، وإن وجدته
(1) تفسير الطبري (شاكر) 12/ 137 - 138.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 12/ 311.
(3)
البحر المحيط 1/ 3.
(4)
التبيان في تفسير القرآن 1/ 7.