الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني: توثيق الشاهد من حيث الدراية، وهي التحقق من سلامته من التحريف والتصحيف، وسلامة ضبطه ومعناه، ودلالته على المعنى المراد.
الأول: توثيق الشاهد من حيث الرواية
.
ويكون توثيق المفسرين لرواية الشاهد بنسبته إلى قائله، أو إلى قبيلة الشاعر، أو إلى راويه من الرواة والعلماء، أو إلى الكتب المعتمدة الصحيحة. وفيما يلي دراسة هذه الأوجه.
1 - نسبة الشاهد لقائله
.
يعد توثيق نسبة الشواهد الشعرية إلى قائليها من أهم ما يعنى به المحققون المعاصرون، وفي ذلك مشقة لا يعرفها إلا من عانى ذلك، فرب بيت فرد لا يهتدي المحقق إلى قائله إلا بعد جهد جهيد، والمتأمل لكتب التفسير يجد عناية عند بعضهم بنسبة الشواهد الشعرية لقائليها، وعدم عناية عند آخرين. وحتى يكون الحكم في هذه الدراسة دقيقًا فقد أحصيتُ ما نسبه كُلُّ مفسرٍ من المفسرين لقائله من شواهده في جدولٍ بينت فيه عدد الشواهد في التفسير، وما نسبه المفسر منها دون اعتبارِ ما نسبه مَنْ حقَّقَ الكتبَ من الباحثين؛ لأن القصد معرفة جهد المفسر في متن الكتاب، وكانت على هذا النحو:
م
…
اسم التفسير
…
عدد شواهده
…
المنسوب
…
غير المنسوب
…
نسبة المنسوب
1
…
تفسير الطبري
…
2260
…
962
…
1298
…
42.57 %
2
…
الكشاف للزمخشري
…
901
…
260
…
641
…
28.86 %
3
…
المحرر الوجيز لابن عطية
…
1981
…
981
…
1000
…
49.5 %
4
…
تفسير القرطبي
…
4807
…
2470
…
2337
…
51.38 %
- ويُمكنُ من خلال هذا الجدول الخروج بالنتائج التالية:
1 -
أَنَّ الطبريَّ كان له جُهدٌ ظاهر في نسبة الشواهد الشعرية
لقائليها، وقد فاق في ذلك جَميعَ المفسرين؛ لِتقدُّمهِ، وسعةِ معرفتهِ بشعرِ العرب، وانتفعَ بِجُهدهِ في ذلك من أتى بعده من المفسرين، وأبرز من انتفع به ابن عطية، والقرطبي في تفسيريهما. والشواهد التي نسبها أقل من حيث العدد من الشواهد التي أغفلها، غير أن كثيرًا من الشواهد التي أغفلها يبعد أن يكون للجهل بها لشهرتها، كأبيات المعلقات، فقد أغفل كثيرًا منها، وأمثلة ذلك كثيرة. منها أن الطبري أورد قول الحارث بن عباد:
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللهُ
…
وإِنِّي بِحَرِّهَا اليومَ صَالِ (1)
ولم ينسبه لقائله، وإنما اكتفى بقوله: قال الشاعر. (2) وصنع مثل ذلك مع قول المثقب العبدي يخاطب ناقته:
تَقولُ وَقَدْ دَرَأْتُ لَهَا وَضِيْنِي:
…
أَهَذا دِيْنُهُ أَبَدًا وَدِيْنِي (3)
فقد أغفل نسبته، مع استشهاده بأبيات متفرقة من هذه القصيدة، ونسبها للمثقَّب العبدي، مِما يدل على معرفته بها. (4) وصنع مثل ذلك بقية المفسرين، فقد أغفلوا نسبة عدد من الشواهد السائرة (5)، التي لا يخفى أمر قائلها على أمثالهم، مما يعني أن المفسرين لم يكونوا يعنون بنسبة الشاهد لقائله إذا تأكدوا من صحة الاحتجاج به. بل إن بعض المفسرين قد يورد الشاهد في مواضع فينسبه لقائله، في حين يُبْهمهُ في غيرها. (6)
(1) انظر: الأصمعيات 71، الحماسة البصرية 1/ 59 وقد استقصى المُحقق تخريجه.
(2)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 7/ 529، 8/ 29.
(3)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 7/ 382، والبيت في ديوان المثقب 195.
(4)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 12/ 45، 24/ 296، 14/ 324، 19/ 403، وانظر: تفسير الطبري (شاكر) 4/ 293.
(5)
انظر: الكشاف 4/ 10، 34، 111، المحرر الوجيز 1/ 68، 4/ 152، 210، 8/ 153، 168، الجامع لأحكام القرآن 4/ 120، 7/ 15، 9/ 211.
(6)
تفسير الطبري (هجر) 3/ 640 - 641، 16/ 42، 2/ 189، 18/ 480 - 481، 24/ 424.
ومما يدل على أن الشواهد لم تكن مجهولة النسبة في زمنهم، اهتداء المحققين لأكثر الشواهد المجهولة القائل في كتب التفسير، وهم قد رجعوا فيها لكتب المتقدمين ممن عاصر أولئك المفسرين أو سبقهم.
والمفسرون لم يكونوا بِدْعًا في هذا، فقد ألَّفَ سيبويه كتابَهُ في النحو، فأغفل أغلبَ شواهدِهِ ولم ينسبْ منها إلا القليل كما هو مشهور عند النحويين. (1) وفعل مثل ذلك الفراء في معاني القرآن، وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن كتب المعاني.
2 -
تبين من الإحصاء أن نسبة الشواهد المنسوبة في كتب التفسير تقارب الشواهد التي أغفلت نسبتها في كتب التفسير عدا تفسير الزمخشري الذي غلب إغفال نسبة الشواهد على منهجه، مما جعل بعض العلماء يتصدى لنسبة شواهد تفسيره وشرحها.
3 -
أن نسبة هذه الشواهد ليست كلها من جهد المفسرين، بل اعتمدوا في ذلك على علماء الرواية واللغة كأبي عبيدة والفراء والأصمعي وأبي تمام وغيرهم مِمَّن دونوا أشعار العرب، ونقلوها لمن بعدهم، ويندر أن تجد شاهدًا غير منسوب عند أهل اللغة والشعر، ثم تجد نسبته في كتب التفسير، لأنَّ المصادر التي استقى منها الجميعُ مادةَ الشعرِ واحدةٌ، وهم العلماء المتقدمون الذين جمعوا بين حفظ الشعر ورواية اللغة وتفسير القرآن.
وأبرز المفسرين الذين شاركوا مشاركةً جيدةً في نسبة الشواهد الشعرية هو الإمام الطبري لتقدمهِ وسعةِ معرفته بشعر العرب، ثم جاء مَنْ بعده من المفسرين فاستفاد مما أورده من شواهد الشعر منسوبة إلى الشعراء الذين قالوها، أو إلى الطبري نفسه، وكثيرًا ما يردد ابن عطية والقرطبي عبارة «وأنشد الطبري» عند نقلهم للشواهد من تفسيره فهو عمدة
(1) انظر: شواهد الشعر في كتاب سيبويه لجمعة 115 - 170
في باب شواهد التفسير ليس له نظير فيما طبع من كتب التفسير.
4 -
ما ورد في الجدول السابق هو ما نسبه المفسرون لقائله بعينه، وأغفلت ما نسبه المفسرون لقبيلة الشاعر، وهو يعد تقريبًا للنسبة، ويعد من البيان الناقص للقائل، والتحقق من نسبة الشاهد إلى العصر الذي يحتج بشعر شعرائه كان هو أهم ما يعنى به المفسرون بغض النظر عن القائل له في غالب الأحوال. وقد تقدم عند دراسة عرض المفسرين للشاهد الشعري تمهيدهم للشاهد الشعري بما يوضح قائله وزمنه، بحيث يطمئن المفسر أن هذا الشاهد قول لمن يحتج بقوله، ويحتكم إلى لغته.
ومن أمثلة الاكتفاء بنسبة الشواهد إلى قبيلة الشاعر قول الطبري: «ومنه قول الهذلي» (1). وشعراء هذيل كثيرون، ولا يتميز الشاعر إلا بالتنقيب عن الشاهد في ديوان أشعار الهذليين لمعرفة قائله، إن كان في أشعار الهذليين المَجموعة، أو دواوين شعرائهم المرويَّة، وربما لا يعثر الباحث على القائل.
ومن الأمثلة كذلك التي نسب فيها المفسرون الشاهد إلى قبيلة الشاعر قول الطبري: «وقال رجل من بني أسد» (2)، وقوله:«قال رجل من بني عدي» (3)، وقوله: «وقال بعض بني عقيل
…
» (4)، وقوله:«وقال بعض بني سُلَيْم» . (5) وأمثال هذه النسبة التي تقرب القائل، ولكنها لا تدل عليه دلالة واضحة. (6) ولكنها تعد في جانب من جوانبها توثيقًا للغة المنسوبة لقبيلة الشاعر، فينتفع بها من يدرس لهجات القبائل واختلافها.
(1) تفسير الطبري (شاكر) 11/ 479، 15/ 370.
(2)
تفسير الطبري (هجر) 1/ 155، 24/ 696.
(3)
المصدر السابق 9/ 619.
(4)
24/ 171، 24/ 101، 19/ 504، 505.
(5)
تفسير الطبري (هجر) 4/ 636، وانظر: 15/ 629، 12/ 146، 16/ 98، 10/ 206، 24/ 35، 17/ 529.
(6)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 11/ 200.