الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المراد منه للقارئ، ويتبين وجه الاستشهاد منه، مع بيان الوجه الأكثر استعمالًا عند العرب، وجواز الوجه الآخر.
- ومثل هذا قول الطبري: «وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسيرُ والمرجعُ والمصيرُ. وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى:
عَلى أَنَّها كَانتْ تَأَوُّلُ حُبِّها
…
تأَوُّلَ رِبْعيِّ السِّقَابِ فَأَصحَبَا (1)
وقد يُنشد هذا البيتُ:
على أَنَّها كانتْ تَوابعُ حُبِّها
…
تَواليَ ربعيّ السِّقَابِ فأَصْحَبَا». (2)
فقد نبَّه على أن للشاهد رواية أخرى لا شاهد فيها على المراد، توثيقًا للروايتين، وحتى لا يقع الباحث على الرواية الأخرى فيطعن في الرواية الأخرى، وهذا من حرص المفسر على أن يضع أمام القارئ ما يعينه على استجلاء معاني الشاهد الشعري الذي يورده.
ورُبَّما ضَبطَ المفسرُ العبارةَ المُحتملةَ في الشاهد بعبارة مَشهورةِ الوزنِ، حتى يزول اللبسُ، ومن ذلك أن الزمخشري أورد قول أوس بن حَجَر:
أَبَنِي لُبَينى إِنَّ أُمَّكُمُ
…
أَمَةٌ وإِنَّ أَبَاكُمُ عُبَدُ (3)
قال الزمخشريُّ في ضبطه: «وعُبَدُ بوزن حُطَم» . (4) وهذا ضبط مزيل للإيهام، وهو مناسب لضبط قافية القصيدة، ومنها قبل الشاهد:
أَبَني لُبَينى لَستُمُ بِيَدٍ
…
إِلّا يَدًا لَيسَت لَها عَضُدُ
أَبَني لُبَينى لا أُحِقُّكُمُ
…
وَجَدَ الإِلَهُ بِكُم كَما أَجِدُ
2 - رد الرواية المشكوك فيها:
قد يتردد المفسر في قبول تفسير من التفاسير لآية من القرآن لعدم
(1) انظر: ديوانه 163.
(2)
تفسير الطبري (شاكر) 6/ 204 - 205.
(3)
انظر: ديوانه 149.
(4)
الكشاف 1/ 652.
قناعته بأدلة ذلك التفسير، وقد يكون هذا الدليل شاهدًا شعريًا لم يبلغه بالرواية التي يستشهد بها لذلك الوجه، فيرد هذا التفسير لعدم صحة هذه الرواية عنده، في حين تكون هذه الرواية قد صحت عند غيره فيستشهد بها. وقد لاحظت أن أبا عبيدة قد تعقبه المفسرون بعده في كثير من شواهده، وطعنوا في بعض روايات الشواهد التي أوردها، وردوا عليه بالوجه الذي يحتج به هو، وهو شواهد الشعر واللغة، والذي يبدو لي أنه ما دام ثقة في روايته، غير مدخولٍ من هذه الجهة، فإن شواهده التي يتفرد بها تبقى لها قيمتها ووزنها في ميزان العلم، وأنه لا ترد روايته مع الثقة به لمجرد ورود رواية تخالفها عمن هو في مثل درجته من الثقة وسعة الرواية. ولا سيما أن أبا عبيدة من مصادر الشواهد الشعرية عند المفسرين فقد أخذ المفسرون بعده شواهده واستشهدوا بها في تفاسيرهم من الطبري حتى الشنقيطي من المعاصرين، ولا سيما شواهده اللغوية وهي الغالبة على شواهده.
ومن أمثلة رد المفسرين للشواهد التي ارتابوا في صحتها قول الزمخشري عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22](1): «والإصراخُ الإغاثةُ، وقُرئَ: «بِمُصرخيِّ» (2) بكسرِ الياءِ وهي ضعيفةٌ، واستشهدوا لها ببيت مَجهولٍ:
قالَ لَها: هلْ لكِ يَا تَا فيّ
…
قالت لهُ: ما أنتَ بالمَرْضِيِّ». (3)
فقد شكَّكَ الزمخشري في الشاهد، وضعَّف القراءة، والشاهد منسوب للأغلب العجلي. (4) وقد بالغ الزجاج في رد هذا الرجز فقال: «وهذا الشعر مما لا يتلفت إليه، وعمل مثل هذا سهل، وليس يعرف قائل
(1) إبراهيم 22.
(2)
هي وجه في قراءة حمزة، وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش. انظر: السبعة 362، معاني القرآن للفراء 2/ 57.
(3)
الكشاف 2/ 551.
(4)
خزانة الأدب 4/ 431.
هذا الشعر من العرب، ولا هو مما يحتج به في كتاب الله عَزَّوَجَلَّ». (1)
ومن الأمثلة قول ابن عطية: «وحَكى الزجاجُ أنَّ العربَ تُعبِّرُ عمَّا يعقلُ وعمَّا لا يَعقلُ بـ «أولئك» ، وأنشدَ هو والطبري:
ذُمِّ المنازلَ بعدَ مَنْزِلةِ اللِّوَى والعَيشَ بعدَ أولئكِ الأَيامِ (2)
فأَمَّا حكاية أبي إسحاقَ عن اللغةِ فأمرٌ يُوقفُ عنده، وأَما البيتُ فالروايةُ فيه «الأقوام» . (3) فرد ابن عطية هذه الرواية للشاهد.
وقد استشهد بِها الطبري والزجاج عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36](4) على أنَّ «أولئك» تأتي للجمع القليل للتذكير والتأنيث، حيث لم يقل الشاعر: بعد تلك الأيام، وكذلك الأمر في الآية؛ لأنَّ «تلك» يأتي للدمع والبلالة على الجمع الكثير. (5)
وقد ورد هذا البيت في الديوان بشرح ابن حبيب كما قال ابن عطية، وليس فيها شاهد لما ذهب إليه الطبري، وهي:
ذُمِّ المنازلَ بعدَ مَنْزِلةِ اللِّوَى
…
والعَيشَ بعدَ أولئكِ الأَقوامِ (6)
في حين قد رَوَى الشاهدَ كما رواه الطبري المُبَرِّدُ (7)، والزمخشري (8)، وابن هشام (9)، وغيرهم. (10) ولا يكاد يخلو منه كتاب
(1) معاني القرآن وإعرابه 3/ 159.
(2)
انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/ 240.
(3)
المحرر الوجيز 10/ 294.
(4)
الإسراء 36.
(5)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 14/ 596.
(6)
انظر: ديوان جرير 2/ 990.
(7)
انظر: المقتضب 1/ 321، الكامل 1/ 439.
(8)
انظر: الكشاف 3/ 519.
(9)
تخليص الشواهد 123، أوضح المسالك 1/ 123 - 124.
(10)
انظر: شرح المفصل لابن يعيش 3/ 126، 133، تفسير البيضاوي 3/ 142، 4/ 36، شرح شواهد الشافية للبغدادي 4/ 167، شرح الشواهد للعيني 1/ 408، شرح الأشموني 1/ 139، شرح التصريح 1/ 128.