الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاهد الشعري، وأبصرهم بِمواطنهِ اللائقةِ به للاعتمادِ عليهِ، أو الاعتضاد به في تفسير القرآن الكريم، وقل من جاء بعده من المفسرين إلا وانتفع بما كتبه وسار عليه في تفسيره مما يتعلق بالشاهد الشعري على وجه الخصوص.
مدى الاعتماد على الشاهد الشعري في تفسير الزمخشري:
وأما الزمخشريُّ فقد كانت عنايته بالشواهد الشعرية، واعتماده عليها أقلَّ ظهورًا من الطبريِّ، وإن كان استفاد منها في تفسيره، غير أنه لم يكثر منها، ومن أمثلة اعتماد الزمخشري على الشاهد الشعري في تفسيره ما يلي:
أولًا: اعتماد الشاهد الشعري في الاستشهاد للمعنى
.
يعتمد الزمخشري على الشاهد الشعري في الاستشهاد لمعنى اللفظة التي يشرحها، ومن ذلك استشهاد للدلالة على أن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح بخلاف الحمد، قوله: «وأما الشكر فعلى النعمة خاصة، وهو بالقلب واللسان والجوارح، قال (1):
أَفادَتْكُمُ النَّعماءُ مِنِّي ثَلاثةً
…
يَدِي وَلِسَاني والضَّميرَ المُحَجَّبَا (2)
والحمدُ باللسان وحده، فهو إحدى شُعَبِ الشُّكر» (3). وهذا استشهاد معنويٌّ من الزمخشري على أنَّ الشُّكْرَ يُطلق على أفعالِ المواردِ الثلاثة: اليدِ، واللسان، والقلب. وقد وجدتُ استشهادَ الزمخشريِّ للمعنى يكثرُ بأَشعارِ المتأخرينِ من الشعراء كأَبي تَمَّامٍ والمتنبي، غير أنه لا يَحتجُّ بِهم للفظ الغريب، إِلا في موضعٍ واحدٍ من تفسيره عند قوله تعالى:{وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20](4)، حيث استشهد ببيت لأبي تمام
(1) لم أجده.
(2)
تفسير ابن كثير 1/ 22، غرائب الفرقان 1/ 92.
(3)
الكشاف 1/ 111.
(4)
البقرة 20.
حبيب بن أوس فقال: «وأظلمَ: يُحتملُ أن يكون غير متعدٍ وهو الظاهر، وأن يكون متعديًا منقولًا من ظلم الليل، وتشهد له قراءةُ يزيد بن قطيب:(أُظْلِمَ) على ما لم يُسَمَّ فاعله (1). وجاء في شعر حبيب بن أوس:
هُما أظلما حاليَّ ثُمَّتَ أَجليَا
…
ظلاميهما عن وجهِ أمردَ أشيبِ (2)
وهو وإن كان مُحْدَثًا لا يُستشهد بشعره في اللغة، فهو من علماء العربية، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه. ألا ترى إلى قول العلماء: الدليل عليه بيت الحماسة، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه» (3). فهو هنا أورد البيت بعد القراءة الشاذة، فهو لم يورده بمفرده مع أنه احتج لما ذهب إليه باعتماد العلماء لروايته، فقاس لغته على روايته مع الفارق. وقد اشتهر قول الزمخشري هذا، غير أنه لم يوافقه عليه أحد، وفرقوا بين ثقته فيما ينقل، والاحتجاج بلغته، وقد تقدم.
ومن ذلك أنه استشهد بقول أبي تمام للمعنى في قوله: «فإن قلت: لا يخلو الأمر بالعبادة من أن يكون متوجهًا إلى المؤمنين والكافرين جميعًا، أو إلى كفار مكة خاصة، على ما روى عن علقمة والحسن، فالمؤمنون عابدون ربهم، فكيف أمروا بما هم ملتبسون به؟ وهل هو إلا كقول القائل:
(1) نقلها أبو حيان عن الزمخشري في البحر المحيط 1/ 90، وفي النهر الماد كذلك له 1/ 68، وفي المحرر الوجيز 1/ 139 نسبها للضحاك. ولم يتعرض لها ابن جني في كتابه «المحتسب» .
(2)
ديوان أبي تَمَّام 31، وفي شرح التبريزي لديوان أبي تمام 1/ 150:«جعل (أظلم) ها هنا متعديًا، وذلك قليل في الاستعمال، وهو في القياس جائز، وهو على قياس من قال: ظَلَمَ الليلُ، في معنى أظلمَ. فإن ادّعي أن (أظلم) ها هنا غير متعدٍ، وأن (حاليَّ) منصوب كانتصاب الظرف، فإن قوله (أجليا ظلاميهما) يدفع ذلك؛ لأنه عدَّى (أجليا) إلى الظلامين» .
(3)
الكشاف 1/ 86 - 87.