الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين فَرَّقَ بينهما أبو عبيدة فقالَ: «مَن كَسَر (سِخْريَّا) جعلَهُ من الهُزْءِ، ويُسخَرُ بِهِ، ومَنْ ضَمَّ أَولَها جَعلَهُ من السُّخْرَةِ، يَتَسخَّرونَهُم ويَستذلونَهم» . (1) واختار الفارسيُّ كسرَ السينِ؛ لأَنَّهُ أَوجهُ وهو بِمعنى الاستهزاء، والكسر فيه أكثر، وهو أليقُ بالآية. (2) والشاهد الشعري لا يَحتملُ إِلَّا معنى الهُزْءِ، ولذلك استشهد به ابن عطية لبيان معنى هذه القراءة، وهو ما ذهب إليه المفسرون. (3)
ثالثًا: أثر الشاهد الشعري في بيان ما وافق لهجات العرب من القراءة
.
يدخل تَحتَ التوجيه اللغوي للقراءات التوجيه المتعلق باللهجات العربية، ومن ذلك قول ابن عطية عند بيان القراءات في قوله تعالى:{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)} [يس: 19](4): «وقرأ أبو عمرو في بعض ما رُوي عنهُ، وزِرُّ بنُ حُبيشٍ:"أَأَنْ ذُكِّرْتُمْ"(5) بِهمزتين مَفتوحتين.
وشاهدهُ قولُ الشاعر (6):
أَأَنْ كُنتَ ذا بُرْدَينِ أَحْوَى مُرجَّلا
…
فلستَ بِراعٍ لابنِ عَمِّكَ مَحرَما (7)». (8)
فالهمزة المفتوحة الأولى للاستفهام، والهمزة الثانيةُ هَمزةُ (أَنْ)
(1) مجاز القرآن 2/ 187.
(2)
انظر: الحجة 6/ 73.
(3)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 20/ 137 - 138.
(4)
يس 19.
(5)
قرأ بتحقيق الهمزتين ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وهشام وخلف وروح ويحيى {أَإِنْ} الأولى مفتوحة للاستفهام، والثانية مكسورة همزة إن الشرطية. وقرا بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين بين أي بين الهمزة والياء نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وقالون وأبو جعفر ورويس وغيرهم (أَينْ). جعلوا الثانية كالياء المختلسة. وقرأ أبو يعقوب كما ذكر ابن عطية وفيها غير ذلك. انظر: السبعة 540، المحتسب 2/ 205.
(6)
هو عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(7)
انظر: عيون الأخبار 1/ 37.
(8)
المحرر الوجيز 13/ 194.
الناصبة، والتقدير: أَلِأَنْ ذُكِّرْتُم تَطَيَّرْتُم، فقبلَ (أَنْ) لامُ تعليلٍ مقدرة، فتطيَّرتُم هو المعلولُ، وأَنْ ذُكِّرتُم عِلَّتُه. (1)
ومن ذلك أيضًا قول ابن عطية عند بيان أوجه القراءات في قوله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43](2): «وقرأ حَمزةُ وحدَهُ (السَّيّئْ) بسكون الهمزة، وهو في الثانية برفع الهمزة كالجماعة. (3) ولَحَّنَ هذه القراءةَ الزجاجُ (4)، ووجَّهها أبو علي الفارسي بوجوهٍ منها أَنْ يكونَ أَسكنَ لِتَوالي الحركات، كما قال (5):
........................... قلتُ صاحبْ قَوِّمِ (6)
على أَنَّ المُبَرِّد روى هذا: «قلتُ صاحِ» (7). وكما قال امرؤ القيس:
اليومَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ
…
إِثْمًا من اللهِ ولا واغِلِ (8)
على أنَّ المُبَرِّد قد رواه: «فاشرب» . (9) وكما قال جرير:
(1) انظر: الدر المصون 9/ 253.
(2)
فاطر 43.
(3)
وقف حمزة وهشام بالسكون { .. السَّيّئْ} ثم أبدلا من الهمزة ياءً؛ لأنها همزة ساكنة قبلها ساكن. انظر: الكشف عن وجوه القراءات 2/ 212، إتحاف فضلاء البشر 1/ 68، والوقف على ذلك كله على الوجه القياسي بإبدال الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. انظر: النشر 1/ 469، التذكرة لابن غلبون 2/ 510.
(4)
انظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 275.
(5)
هو أبو النجم العِجْليُّ.
(6)
جزء من شطر رَجَزٍ في وصف الإبل في سَيْرِها، وتَمامهُ: إذا اعْوَجَجْنَ قلتُ: صَاحِبْ قَوِّمِ. انظر: ديوانه.
(7)
انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 12، شرح أبيات سيبويه للسيرافي 1/ 398.
(8)
مُسْتَحْقِبٍ: مُكتسِب ومُحتَمِل، وأصلهُ مِنْ حَمْلِ الشيء في الحَقيبةِ. والواغِلُ: الداخلُ على القومِ يشربونَ ولم يُدْعَ. انظر: ديوانه 122، الأصمعيات 130.
(9)
انظر: الكامل 1/ 318، والرواية فيه:
فاليومَ أُسْقَى غَيْرَ مُستَحْقِبٍ
…
إِثْمًا من اللهِ ولا واغِلِ