الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَا نَفْسُ لا تَمْحَضي بالنُّصحِ جَاهِدةً
…
عَلى المَوَّدةِ إِلَّا آَلَ يَاسِينَا (1)
وذلك لأنَّ السيدَ الحميري قد وُلِدَ سنة 105 هـ، في حين توفي سعيد بن جُبَيْر عام 95 هـ، فليس الاستشهاد بالشعر له.
•
منهج التابعين في الاستشهاد بالشعر في التفسير:
لم يتغير الحال كثيرًا في عهد التابعين عنه في عهد الصحابة، فلا تزال البيئة صافية، واللحن قليلًا، والحاجة إلى التفسير قليلة. فلم يرد عن التابعين من الروايات في استشهادهم بالشعر في تفسير القرآن الكريم ما يكشف بجلاء عن منهجهم في ذلك، فلم يرد عنهم بعد البحث والتقصي سوى روايات معدودة، أوردتها في ثنايا هذا المبحث. وقد استثنيت من الدراسة في هذا المبحث ما كتبه أبو عبيدة في «مجاز القرآن» ، وما كتبه الفراء في «معاني القرآن» ؛ لأنني قد خصصتهما بالدرس في الباب الثاني.
ويمكن من خلال هذه الروايات المحدودة تلمس المنهج العام للاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن في عهد التابعين وأتباعهم على النحو التالي:
1 -
كان لمدرسة مكة التي أسسها عبد الله بن عباس عناية بالاستشهاد بالشعر في التفسير. وقد كان مجاهد وعكرمة من أبرز من وظَّفَ الشاهد الشعري في التفسير، وذلك اقتداء بحبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما. وقد تقدمت الأمثلة على ذلك عن مجاهد وعكرمة.
2 -
الاكتفاء بذكر الشاهد دون بيان أو شرح. وذلك لأنه لا يزال الناس أهل سليقة لغوية صحيحة، وكان الشعر لا يزالُ عِلْمًا شائعًا بين
(1) البيت ليس في ديوانه المجموع، ولعله من القصيدة التي أوردها ص 159، لمناسبتها لموضوع هذا الشاهد. انظر: المحرر الوجيز 13/ 186، الجامع لأحكام القرآن 8/ 5.
العرب في تلك الطبقة المتقدمة، مما يعني إحالة الناس إلى ما يعلمون عندما يحالون إلى شواهد الشعر العربي.
3 -
استشهاد التابعين بأشعار المعاصرين. وذلك أن العصر عصر فصاحة وسليقة، ولم تختلط الألسن بالعجمة اختلاطًا واسعًا. ولذلك يحتج عكرمة بشعر ثابت بن عبدالرحمن بن كعب وهو معاصر له، حيث توفي سنة 100 هـ (1). كما في تفسير قوله تعالى:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)} [الرحمن: 48](2) قال عكرمةُ: ظِلُّ الأغصان على الحيطان (3)، وفي رواية: ذواتا ظِلٍّ وأغصان، ألم تسمع إلى قول الشاعر (4):
مَا هَاجَ شَوقَكَ مِنْ هَدِيلِ حَمَامةٍ
…
تَدعُو عَلى فَنَنِ الغُصُونِ حَمَامَا
تَدعو أَبا فَرْخَينِ صَادفَ ضَاريًا
…
ذَا مِخْلَبَيْنِ مِن الصُّقُورِ قَطَامَا (5)
ويؤخذ على هذا الشاهد الذي ذكره عكرمة عدم الدقة في الاستدلال، حيث إنه لا يدل على أن المقصود بفنن الغُصون ظلُّ الغصون، حيث إن الفنن هو جزء متفرع من الغصن، قال أبو الهيثم:«الفنون تكون في الأغصان، والأغصان تكون في الشُّعَبِ، والشُّعَبُ تكون في السُّوقِ، وتُسمَّى هذه الفروعُ - يعني فروع الشجر - الشَّذَبَ» (6).
4 -
اعتماد المفسرين على تفسير التابعين واستشهاهم لصحته بالشعر. وذلك أن تفسير التابعين يأتي في المرتبة التالية لتفسير الصحابة رضي الله عنهم. فإذا أجمع التابعون على تفسير كان اتباعهم في ذلك واجبًا (7).
(1) انظر: الشعر والشعراء 2/ 630، معجم الشعراء 47.
(2)
الرحمن 48.
(3)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 22/ 240.
(4)
هو ثابت بن كعب الملقب بقُطْنَة، والبيتان مع ثالث في الأغاني 14/ 262.
(5)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 22/ 240، إيضاح الوقف والابتداء 1/ 65، الجامع لأحكام القرآن 1/ 25
(6)
لسان العرب 10/ 337 (فنن).
(7)
انظر: مقدمة التفسير لابن تيمية 114.
وقد حرص المفسرون على نقل تفاسير التابعين، والأخذ بها، وقد وجدت بعض الأمثلة التي ينقل المفسر فيها تفسير التابعي، ثم يعقبه بشاهد من الشعر يؤيد ما ذهب إليه التابعي.
فمن ذلك قول ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)} [الصافات: 142](1): «والمليمُ الذي أَتى ما يُلامُ عليه، أَلامَ الرجلُ: دَخلَ في اللَّومِ، وبذلك فَسَّرَ مُجاهدُ وابنُ زيدٍ، ومنه قول الشاعر (2):
وَكَمْ مِنْ مُلِيمٍ لَمْ يُصَبْ بِمَلامَةٍ
…
ومُتَّبعٍ بالذَّنبِ لَيسَ بِمُذنبِ (3)
ومنه قول لبيدِ بن ربيعة:
سَفَهًا عَذلتِ وَلُمْتِ غَيْرَ مُليمِ
…
وهداكَ قبلَ اليومِ غَيْرُ حَكيمِ (4)
وقال ابن عطية كذلك في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100](5): والمُرَاغَمُ: المُتَحوَّلُ والمَذهَب، كذا قال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم، ومنه قول النابغة الجعدي:
كَطَودٍ يُلاذُ بِأَرْكَانِهِ
…
عَزِيزِ المُرَاغمِ والمَذْهَبِ (6)
وقول الآخر:
إِلى بَلَدٍ غَيْرِ دَاني المَحَلِّ
…
بَعيدِ المُرَاغَمِ والمُضْطَرَبْ (7)
(1) الصافات 142.
(2)
هو الأحوص الأنصاري، ونسبت لجميل بن معمر كما في ديوانه 317، سمط اللآلي 2/ 947.
(3)
رواية الشطر الثاني: ومُتَّبعٍ بالذَّنْبِ ليسَ لهُ ذنبُ. انظر: ديوانه 264، سمط اللآلي 1/ 73.
(4)
رواية الديوان:
…
سَفَهًا عَذَلتِ وَقُلتِ غَيرَ مُليمٍ
…
وَبُكاكِ قِدمًا غَيرُ جِدِّ حَكيمِ.
انظر: ديوانه 107، المحرر الوجيز 13/ 256.
(5)
النساء 100.
(6)
انظر: ديوانه 123.
(7)
لم أعرف قائل البيت، وانظر: المحرر الوجيز 4/ 227.
وقال ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68](1): والأثام في كلام العربِ العِقَابُ، وبه فَسَّرَ ابنُ زيدٍ وقتادةُ هذه الآية. ومنه قول الشاعر (2):
جَزَى اللهُ ابنَ عُروةَ حيثُ أَمْسَى
…
عُقُوقًا والعُقوقُ لَهُ أَثَامُ (3)
أي: جزاء وعقوبة (4). وقال في تفسير قوله تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13](5) قال الضحاك: هو الهلاك (6). قال ابن عطية مستشهدًا لتفسير الضحاك: «ومنه قول ابن الزبعرى:
إِذْ أُجَاري الشيبطَانَ في سُنَنِ الـ
…
ـغَيِّ ومَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ (7)
5 -
الاستشهاد بأكثر من شاهد للفظة الواحدة. قد يرد عن بعض التابعين الاستشهاد بأكثر من شاهد من الشعر للفظة الغريبة، مما يعني سعة المحفوظ من الشواهد الشعرية، وربما تعدد مجالس السؤال عن هذه اللفظة. فعكرمة عندما سئل عن معنى الزَّنيمِ، قال مرةً: هو ولد الزنى، وتمثل ببيت شعر:
زَنِيْمٌ ليسَ يُعْرَفُ مَنْ أَبُوهُ
…
بَغِيُّ الأُمِّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمِ (8)
وأجاب في جوابٍ آخر بأَنَّ الزَّنيمَ الدَّعيُّ الفاحشُ اللئيمُ، واستشهد لذلك بشاهدٍ آخر هو قولُ الشاعر:
زَنِيْمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ زِيَادةً
…
كَمَا زِيدَ في عَرْضِ الأَدِيْمِ الأَكَارِعُ (9)
(1) الفرقان 68.
(2)
هو بلعاء بن قيس الكناني كما في مجاز القرآن 2/ 81، وتفسير الطبري (هجر) 17/ 505، ونسبه في اللسان لشافع الليثي 1/ 75 (أثم).
(3)
انظر: مجاز القرآن 2/ 81، تفسير الطبري (هجر) 17/ 505، لسان العرب 1/ 75 (أثم).
(4)
انظر: المحرر الوجيز 12/ 41 - 42.
(5)
الفرقان 13.
(6)
انظر: المحرر الوجيز 12/ 11.
(7)
المحرر الوجيز 12/ 11.
(8)
لم أعرف قائله، وانظر: إيضاح الوقف والابتداء 1/ 64.
(9)
نُسب لحسان كما في الكامل 3/ 1146، ونسبه محقق الكامل للخطيم التميمي وأنكر أن يكون لحسَّان وأحال لسيرة ابن هشام 1/ 386 - 387، وانظر: الجامع لأحكام القرآن 1/ 21.
وقد صار هذا شائعًا عند المفسرين المتأخرين، حيث يوردون عددًا من الشواهد في بعض المواضع، للاستشهاد على معنى لفظةٍ واحدةٍ (1).
(1) انظر: تفسير الطبري (شاكر) 1/ 485، المحرر الوجيز 5/ 384.