الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم الذينَ يَمْرُونَ الخيلَ بأرجلِهم هَمْزًا لتجري (1)؛ كأنهم يحتلبون الجريَ منها، فليس في البيت معنًى من الشَّكِّ كما قال الطبريُّ» (2).
وقد ردَّ القرطبيُّ على ابن عطية، فقال: «معنى الشَّكِّ فيه موجودٌ؛ لأنه يحتملُ أن يختبِرَ الفرسَ صاحبُه، هل هو على ما عهده منه من الجري، أم لا؛ لئلا يكون أصابه شيء، أو يكون هذا عند أول شرائه، فيُجريه، ليعلم مقدار جريه
…
» (3). والأمثلة على تعقبات المفسرين بعضهم في فهم الشواهد الشعري أو شرحها، أو إعرابها كثيرة (4).
تغليط المفسرين للشعراء:
وهناك من المفسرين من يرد بعض ما ورد من اللغة في الشواهد الشعرية، وهذا من باب تغليط الشاعر، ومن الأمثلة ما ما ذكره ابن عطية في تفسيرِ السَّلوى في قوله تعالى:{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البقرة: 57](5)، حيث قال: «والسَّلوى طيرٌ، بإجماعٍ من المفسِّرينَ
…
وقد غلطَ الهذليُّ (6)، فقال:
وَقَاسَمَهَا بِاللهِ عَهْدًا لأنْتُم
…
ألّذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا (7)
ظنَّ السَّلوى العسلَ» (8). ولأَنَّ الشَّورَ لا يكونُ إلا للعسلِ، غلَّطَه
(1) شرحه الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن 2/ 21، حيث ذكر البيت، ثمَّ قال: «يعني الشَّاكينَ في درورها، لطول سيرها، وقيلَ: المستخرجينَ ما عندها
…
».
(2)
المحرر الوجيز 1/ 21 - 22.
(3)
الجامع لأحكام القرآن 2/ 164.
(4)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 1/ 320، 2/ 20 - 21، 2/ 294، 330، 3/ 283 - 284، 4/ 171، 5/ 47 - 48، 5/ 302 - 303، 6/ 171 - 172، 7/ 99، 9/ 414 - 415، 11/ 198، 12/ 324، 12/ 444 - 445، 13/ 144 - 145، 13/ 219 - 220، 13/ 519، 15/ 323 وغيرها، المحرر الوجيز 3/ 199، 99، 12/ 154 - 155، 12/ 135 - 136، 16، 10/ 72، 120، 2/ 122.
(5)
البقرة 57.
(6)
هو أبو ذؤيب الهذلي، وبعضهم ينسبه لخالد بن زهير الهذلي كالطبري، وهو ابن أخت أبي ذؤيب.
(7)
نشورها: نأخذها، والشَّورُ: أخذ العسل من موضعها. انظر: ديوان الهذليين 1/ 158.
(8)
المحرر الوجيز 1/ 306.
ابنُ عطية في ذهابه بالسَّلوى إلى العَسَلِ، وهذا من تخطئة العلماء للشعراء، وهو مذهبٌ لبعضِ اللُّغويِّين، وقد صنَّفَ فيه المرزباني كتابه «الموشَّحُ في مآخذ العلماء على الشعراء» ، وذكر أمثلة كثيرة لتعقبات العلماء للشعراء.
وقد ردَّ القرطبيُّ على ابن عطية في تخطئته للشاعر فقال: «ما ادَّعاهُ من الإجماعِ لايصح، وقد قال المؤَرِّجُ (2) أحد علماء اللغة والتفسير إنه العَسَلُ، واستدل ببيت الهذلي وذكر أنه كذلكَ بلغة كنانة، سُمِّي به لأَنه يُسَلَّى بهِ، ومنه عَيْنُ السُّلوانِ، وأنشد:
لو أشربُ السُّلوانَ ما سَلَيْتُ
…
ما بِيْ غِنًى عنكِ وإنْ غَنِيْتُ (3)
وقال الجوهري: والسَّلوى العَسَلُ (4)، وذكر بيت الهذلي:
..............................
…
ألذُّ من السَّلوى إذا ما نَشورها
ولم يذكر غَلَطًا» (5).
وربما رد ابن عطية تخطئة بعض العلماء للشعراء، ومن الأمثلة على ذلك قوله: «وأيضًا فإن البحر الفرات كله ينصب في البحر الأجاج، فيجيء الإخراج منهما جميعًا. قال القاضي أبو محمد: وقد خطئ أبو ذؤيب في قوله في صفة الجوهر:
(1) المحرر الوجيز (قطر) 5/ 459، وانظر: معاني القرآن وإعرابه.
(2)
هو مؤرج بن عمر السدوسي البصري، أحد أعيان أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة 195 هـ. انظر: بغية الوعاة 2/ 305.
(3)
للعجاج كما في ديوانه 406.
(4)
انظر: الصحاح 6/ 2381.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 1/ 407 - 408.