الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشتقاقها، وقد تكون هذه اللفظة غير مألوفة فيستشهد على بيان معناها بشواهد شعرية أخرى. وهم في ذلك يعتمدون على العلماء الثقات من أهل اللغة فيما نقلوه عن العرب كأبي عمرو بن العلاء والأصمعي وغيرهم.
1 - شرح المفردات الغامضة:
يُعدُّ شرح المفردة الغريبة في الشاهد الشعري شرحًا لغويًا أكثر ما يعنى به المفسرون وأصحاب المعاني وغريب القرآن، حيث إن الشواهد اللغوية أكثر الشواهد دورانًا في كتب التفسير كما تقدم. وشرح المفردة الغريبة قد يكون ببيان معناها بلفظة مرادفة أوضح منها، أو ببيان أصل اشتقاقها والتوسع فيه قليلًا أو نحو ذلك. وربما جاء بيان المفسرين لمعنى المفردة أجودَ من بيان بعض أصحاب المعاجم. (1) وقد تنبه إلى ذلك بعض المستشرقين وأشار إلى أنَّ «ما اضطلع به الطبريًّ في تفسيره للقرآن مما يتصل بالناحية اللغوية لهو رِكَازٌ لا تُقدَّرُ نَفاسته في بَحثِ مفردات اللغة» . (2)
وقد تفاوت شرح المفسرين وأصحاب المعاني للمفردات بحسب منهج كل منهم، غير أنه لم يكن هذا التفاوت كبيرًا عند المتقدمين، وإنما تفاوت عند المتأخرين كالزمخشري ومن بعده. فأما أبو عبيدة والطبري فقد عنيا عناية كبيرة بشرح مفردات الشاهد الشعري، وقدما في ذلك ما اعتمد عليه من بعدهما من المفسرين.
فأما أبو عبيدة فقد عني عناية كبيرة بشرح مفردات الشاهد الشعري الذي يورده، والأمثلة على ذلك في كتابه كثيرة. ومن أمثلة قول أبي عبيدة عند تفسير قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144](3):
(1) انظر: تفسير الطبري (شاكر) 1/ 17، 106، 131، 151.
(2)
مذاهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر 115.
(3)
البقرة 144.
«أي: قصد المسجد الحرام، قال الهذلي (1):
إِنَّ العَسيرَ بِهَا دَاءٌ مُخامِرُها
…
فَشَطْرُها نَظَرَ العَيْنينِ مَحسورُ (2)
العَسِيْرُ: الناقة التي لم تُرْكَب، شطرُها: نَحوُها. وقال ابن أحمر:
تَعدو بنَا شَطْرَ جَمْعٍ وهي عَاقِدَةٌ
…
قد كاربَ العقدُ من إِيفَادِها الحُقُبَا (3)
إيفادُها: سُرعتها». (4)
فقد بَيَّنَ معاني المفردات الغامضة، باختصار شديد، وقد نقل شرحه أصحاب المعاجم فقال في اللسان في شرح البيت:«العسير الناقة التي لم تُرَضْ، ونصب شطرها على الظرف أي نحوها» . (5) وشرح البغدادي بيت عمرو بن أحمر فقال: «وتعدو، أي: الناقة، من العدو، وهو ما قارب الهرولة، وهو دون الجري. وبنا، أي: بي وبغلامي؛ فإنه كان زميلي على الناقة. والشطر هنا بمعنى الجهة. وجمع: اسم المزدلفة. وسميت به إما لأن الناس يجتمعون بها، وإما لأن آدم اجتمع هناك بحواء. والعاقدة: الناقة التي قد أقرت باللقاح، لأنها تعقد بذنبها فيعلم أنها حملت. وقيل: العاقدة: التي تضع عنقها على عجزها. والإيفاد: الإسراع، مصدر أوفد بالفاء، أي: أسرع. والحقب، بفتح المهملة والقاف: حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير مما يلي ثِيلَهُ، أي: ذكره، كي لا يجتذبه التصدير. تقول منه: أحقبت البعير» . (6) وهنا يلاحظ الفرق بين شرح أبي عبيدة وشرح البغدادي، فقد اكتفى أبو عبيدة بشرح مفردة واحدة في البيت وهي الإيفاد، في حين شرح البغدادي وهو من المتأخرين (ت 1093 هـ) جميع مفردات الشاهد الشعري.
(1) هو قيس بن خويلد الهذلي.
(2)
الكامل 2/ 503، لسان العرب 3/ 168 (حسر).
(3)
انظر: ديوانه 38.
(4)
مجاز القرآن 1/ 60، وانظر: مجاز القرآن 1/ 411.
(5)
لسان العرب 3/ 168 (حسر).
(6)
خزانة الأدب 6/ 255.
وأما الطبري في تفسيره فقد استفاد من شرح أبي عبيدة للشواهد، وتعقبه في شرح بعضها، وزاد عليه شواهد لم يذكرها أبو عبيدة، وهو في منهجه في شرح الشاهد الشعري لا يختلف عن أبي عبيدة كثيرًا، وإن كان قد يستطرد في شرح بعض الشواهد.
ومن أمثلة شرح الطبري للشواهد قوله عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)} [البقرة: 56](1): «وأصلُ البَعْثِ: إِثَارةُ الشيء من مَحلّهِ، ومنه قيل: بَعَثَ فلانٌ راحلته، إذا أثارها من مَبْرَكِهَا للسَّيرِ. كما قال الشاعر:
فَأَبْعَثُها وهِيَّ صَنيعُ حَولٍ
…
كَرُكْنِ الرَّعْنِ ذِعْلِبةً وَقَاحا (2)
والرَّعْنُ: منقطع أنف الجبل، والذِّعْلِبَةُ: الخفيفةُ، والوقاح: الشديدةُ الحافر أو الخُفِّ». (3)
فيُلحظ هنا أن الطبري شرح معنى البعث في الآية قبل إيراده للشاهد الشعري، ثم بعد إيراده للشاهد الذي اشتمل على مفردات غريبةٍ لِقلةِ من يستعمل هذه الألفاظ في زمنه شرح بعباراتٍ موجزةٍ معنى هذه المفردات، فشرح معنى «الرَّعْن» و «الذِّعْلِبَة» و «الوقاح» ، وهذه المفردات وإن لم تكن محل الشاهد إلا أن معناه لا يفهم بدون بيانها، فشرحها الطبري من أجل ذلك.
ومما يتميز به شرح الطبري لمفردات الشاهد الشعري، أنه يشير إلى تفسير أهل اللغة، وتفسير السلف من أهل التفسير، ويقدم تفسير السلف للفظة على تفسير اللغويين، ومن أمثلة ذلك قوله: «والشُّحُّ في كلام العرب: البُخلُ، ومنعُ الفضل من المال، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
(1) البقرة 56.
(2)
لم أجده عند غير الطبري، ولم أهتد إلى قائله، وقوله:«وهيَّ» . بتشديد الياء لغة همدان.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 2/ 84.
تَرى اللَّحِزَ الشَّحيحَ إذا أُمِرَّتْ
…
عَليهِ لِمَالهِ فيها مُهِينا (1)
يعني بالشحيح: البخيل، يقال: إِنَّه لَشَحِيحٌ بَيّنُ الشُّحِّ والشَّحِّ، وفيه شَحَّةٌ شَديدةٌ وشَحَاحَةٌ. وأما العلماء فإنهم يرون أن الشح في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حق». (2) والعلماء الذين عناهم الطبري هم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من الصحابة، وعبدالرحمن بن زيد من مفسري السلف. مما يعني أن المفردة اللغوية في القرآن قد تفسر على غير معهود اللغة في بعض الآيات.
ومثل ذلك عند تفسير قوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} [الصافات: 91](3) حيث ذكر الطبري معنى: {فَرَاغَ} في اللغة وأنه بمعنى: حاد، واستشهد بقول عدي بن زيد:
حينَ لا يَنفعُ الرَّوَاغُ ولا يَنفعُ إِلَّا المُصادقُ النِّحريرُ (4)
وقال في شرح الشاهد: «يعني بقوله: لا ينفع الرواغُ: الحيادُ» . ثم ذكر تفسير المفسرين فقال: «أَمَّا أهلُ التأويلِ فإِنَّهم فسَّروهُ بِمعنى فَمَالَ» . (5) وهذا مما تميز به شرح الطبري للمفردات في الشاهد الشعري وفي غيره، حيث يقدم تفسير السلف، ولا يغفله حين يورد الأقوال في معنى المفردات.
وقد يفيض الطبري في شرح المفردة في الشاهد الشعري بحيث يستقصي معانيها، ويوفيها حقها من الشرح والبيان، ومن ذلك ما أورده عند تفسيره لمعنى الرَّبِّ حيث قال: «وأما تأويل قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2](6) فإن الرَّبَّ في كلام العرب منصرف على معانٍ
…
ومن ذلك قيل: إِنَّ فلانَ يربُّ صنيعته عند فلان، إذا كان يُحَاولُ إصلاحَها وإدامتها، ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
(1) انظر: ديوانه 309.
(2)
تفسير الطبري (هجر) 22/ 529.
(3)
الصافات 91.
(4)
انظر: ديوانه 198.
(5)
تفسير الطبري (هجر) 19/ 570.
(6)
الفاتحة 2.
فَكُنتُ امرأً أفضتْ إليكَ رِبَابَتِي
…
وقبلَك رَبَّتني - فَضِعْتُ - رُبُوبُ
يعني بقوله: «أَفْضَتْ إليك» أي وصلت إليك ربابتي، فسرت أنت الذي تَرُبُّ أمري فتصلحه، لمَّا خَرجتُ من ربابةِ غيرك من الملوك، كانوا قبلك عليَّ فضيعوا أمري وتركوا تفقده، وهم الرُّبُوبُ، واحدهم رَبٌّ». (1)
وشرح الطبري لهذا الشاهد أجود من شرح اللغويين في معاجِمهم (2)، وقد شرحه الأعلم بقوله:«وقبلكَ ربَّتْنِي: ملكتني أربابٌ من الملوكِ حتى سرتُ إليك، والرُّبُوبُ جَمعُ رَبٍّ، وهو المالك» . (3) ومعاجم اللغة عند مادة «رَبب» ، ذكروا المعاني التي فصلها الطبري، ولم يوردوا الشواهد التي أوردها وشرحها، وبعضهم أوردها ولم يشرحها كما شرحها الطبري. (4) ويلاحظ أن لفظة الرب التي وردت في الشعر الجاهلي تفتقر إلى ما تحمله اللفظة في القرآن الكريم من معاني اللطف والتدبير والإحكام والرحمة لجلالة معاني القرآن الكريم، غير أن هذه اللفظة في الشعر الجاهلي تدل على أصل المعنى في اللغة فحسب. (5)
ومما يدل على حسن توظيف الشاهد الشعري عند الطبري أنه استشهد ببيت علقمة هذا في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79](6) فقال في شرحه للفظة القرآنية: «وأولى الأقوال عندي بالصواب في (الربانيين) أنهم جَمعُ رَبَّاني، وأَنَّ الربَّانيَّ المنسوبُ إلى الرَّبَّانِ الذي يَرُبُّ الناسَ، وهو الذي
(1) تفسير الطبري (شاكر) 1/ 141، المحرر الوجيز 1/ 65، يلاحظ في إشارة الطبري هنا إلى ما كتب فيه من بعده أحمد ابن فارس (ت 395 هـ) في مقاييس اللغة، وهو ما يسمى بالاشتقاق الكبير.
(2)
انظر: الصحاح 1/ 133، ومقاييس اللغة 2/ 383.
(3)
شرح ديوان علقمة 43.
(4)
تهذيب اللغة 15/ 176 - 184، مقاييس اللغة 2/ 383، الصحاح 1/ 133، لسان العرب (ربب) 5/ 94 - 102.
(5)
انظر: جهود الطبري في دراسة الشواهد الشعرية للمالكي 150.
(6)
آل عمران 79.
يصلح أمورهم، ويَرُبُّها ويقومُ بِهَا
…
ومنه قول علقمة» ثم يورد الشاهد ويشرحه بقوله: «يعني بِقَولهِ رَبَّتنِي: وَلِيَ أمري والقيامَ به قَبلكَ مَنْ يَرُبُّه ويُصلحهُ، فلم يُصلحوه ولكنهم أضاعوني فَضِعْتُ» . (1) وهذا الشرح يختلف من حيث التعبير عن شرحه الأول، مما يدل على حسن تصرفه وتوظيفه للشاهد الشعري بحسب اللفظة المشروحة وسياقها. (2)
وأما الزمخشري في تفسيره فلم يشرح الشواهد الشعرية إلا نادرًا، سواء مفرداتها الغامضة أو تراكيبها، مما دفع بعض العلماء إلى التصدي لشرح شواهد الكشاف الشعرية (3)، ولم يتعرض لشرح الشاهد إلا في موضع الرد والمنازعة، ومن ذلك أنه فَسَّرَ القُروءَ في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228](4) بِمعنى العِدَّةِ، ثم في معرضِ رَدِّهِ على الأقوال الأخرى قال: «فإن قلتَ: فما تقول في قول الأعشى:
...........................
…
لِمَا ضَاعَ فيها مِنْ قُروءِ نِسَائِكَا (5)
قلتُ: أرادَ لِمَا ضاعَ فيها من عِدَّةِ نسائك؛ لِشهرة القُروءِ عندهم في الاعتداد بهنَّ، أي: من مدةٍ طويلةٍ كالمدةِ التي تعتد فيها النساءُ، استطال مدة غَيبته عن أهله كل عامٍ لاقتحامه في الحروب والغارات، وأنه تَمرُّ على نسائه مدةٌ كمدةِ العدةِ ضائعةً لا يضاجعن فيها. أو أرادَ: من أَوقاتِ نسائكَ؛ فإِنَّ القُرءَ والقارئَ جاءَ في معنى الوقت، ولم يُرِدْ لا حَيضًا ولا
(1) تفسير الطبري (شاكر) 6/ 542.
(2)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 10/ 552.
(3)
منها: تَنْزِيلُ الأبياتِ على الشواهد والآيات لمحمد أفندي، مشاهدُ الإنصاف على شواهد الكشاف لمحمد عليان المرزوقي، الإسعاف شرح شواهد القاضي والكشاف لخضر الموصلي (ألفه عام 994 هـ).
(4)
البقرة 228.
(5)
عجز بيت، صدره: وفي كُلِّ عَامٍ أنتَ جَاشِمُ غَزْوةٍ
…
........................................
انظر: ديوانه 91.
طُهرًا». (1) فقد أطال الزمخشري هنا في شرح معنى البيت لما كان في معرض الرد، وأهمل شرحه في سائر التفسير، وقد أشار الطبري إلى أنه قد يكون القرء في الشاهد بِمَعنى الوقت (2)، ومثله ابن عطية (3)، والقرطبي (4)، غير أن شرح الزمخشري لهذه اللفظة في الشاهد جاء مفصلًا دون بقية المفسرين. حيث جاء في معرض رده على مخالفيه.
وأما ابن عطية فقد شرح المفردات في الشواهد شرحًا موجزًا كشرح الطبري وغيره، وله في شرحه للشواهد الشعرية نظرات دقيقة تدل على سعة علمه ومعرفته بالشعر ومعانيه.
ومن أمثلته ما جاء في قوله: «وقولهم: سَنَنْت السِّكينَ، وسننت الحَجَرَ، إذا أحكمت تَمليسَهُ، ومن ذلك قول الشاعر (5):
ثُمَّ دافعتُها إِلى القُبَّةِ الخَضَرا
…
وتَمشي في مَرمرٍ مَسنونِ (6)
أي: مُحْكَمُ الإملاسِ والسَّنِّ». (7)
والقرطبي كذلك عُنِيَ بشرح المفردات الغامضة في الشاهد الشعري، ومن أمثلة ذلك أنه أورد بيتًا للحطيئة عند تفسيره لقوله تعالى:{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135](8) وهو قوله يصف الخيل:
عَوابس بالشُّعثِ الكُمَاةِ إذا ابتَغَوا عُلالَتَها بالمُحْصَداتِ أَصَرَّتِ (9)
ثم شرح معنى أصرتِ فقال: «أي: ثَبَتَت على عَدْوِها» . (10)
(1) الكشاف 1/ 441 - 442.
(2)
انظر: تفسير الطبري (شاكر) 4/ 512.
(3)
انظر: المحرر الوجيز 2/ 194.
(4)
انظر: الجامع لأحكام القرآن 3/ 113.
(5)
هو أبو دهبل الجمحي.
(6)
الشعر والشعراء 2/ 485، الأغاني 7/ 123.
(7)
المحرر الوجيز 10/ 125.
(8)
آل عمران 135.
(9)
رواية الديوان: أضرت، انظر: ديوانه 162.
(10)
الجامع لأحكام القرآن 4/ 211.