الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة العربية، ورجَّحَ الوجهَ الوارد في القُرآنِ؛ لأَنَّهُ هو الأعرفُ في العربيةِ. وهذا غرض من أغراض إيراد الشاهد النحوي عند المفسرين. وشواهد النحو كثيرة في كتب التفسير. (1)
ثالثًا - الاستشهاد البلاغي
.
والمقصود بشواهد البلاغة، ما ورد من الشعر للاستشهاد على مسائل البلاغة، وإن كان ذلك من باب التمثيل لا الاستشهاد، ولكن تسميته بالشواهد من باب التجوز لما تقدم من أن البلاغة يستشهد لها بشعر الشعراء المتقدمين والمتأخرين لتعلق الأمر بالمعاني لا بالألفاظ، والمعاني مشاعة بين الجميع. (2) وترد شواهد البلاغة في كتب التفسير لبيان جَمال التعبير في القرآن الكريم، وإبراز صوره البيانية، وأساليبه العالية.
وقد حفلت كتب التفسير بكثير من الشواهد الشعرية ذات الصبغة البلاغية، وهي من الأغراض الأساسيةِ للشواهد الشعرية في كتب التفسير بصفة عامة، وتتفاوت كتب التفسير محل الدراسة في العناية بها وإبرازها، فأما الإمام الطبري فقد تعرض لكثير من مسائل البلاغة في تفسيره، وأورد في أثناء كلامه كثيرًا من شواهد البلاغة، غير أنه لم يدخل في تفسيره شاهدًا شعريًا لشاعرٍ متأخرٍ عن عصور الاحتجاج، ولذلك كانت شواهده البلاغية من الشواهد المتقدمة للجاهليين والإسلاميين.
وأما الزمخشري فقد فاقت الشواهد البلاغية في تفسيره غيرها من
(1) انظر: تفسير الطبري 4/ 85، 1/ 59، 24/ 130، 16/ 116، الجامع لأحكام القرآن 11/ 226، 2/ 29، 2/ 306، 1/ 230، 13/ 220، 13/ 337، 2/ 60، 13/ 22، 8/ 276، 18/ 306، 18/ 307، 15/ 147، 15/ 147، 14/ 326، 7/ 389، 13/ 158.
(2)
انظر: الخصائص 1/ 54.
الشواهد، وقد عُنِيَ ببيانِ أوجه شواهده البلاغية، وقد أخذ كثيرًا من شواهد سيبويه النحوية واستخدمها في مسائل بلاغية في تفسيره، ومن أمثلة ذلك، قول النابغة الذبياني:
ولا عيبَ فيهِمْ غيرَ أَنَّ سُيوفَهُم
…
بِهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائِبِ (1)
فقد قاس عليه الزمخشري أكثر من آية في الاستثناء من الشيء بما يشبه نقيضه. ومن ذلك عند قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62)} [مريم: 62](2) حيث قال: «أي: إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوًا فلا يسمعون لغوًا إلا ذلك، فهو من وادي قوله
…
». (3) وذكر الشاهد.
وقال عند قوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} [الأعراف: 126](4) قال الزمخشري: «أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإيمان ومنه قوله
…
» (5) وذكره. وكرر الاستشهاد به على هذا الوجه، في مواضع من تفسيره. (6) في حين أورده سيبويه في الكتاب شاهدًا على الاستثناء المنقطع، بنصب غير على الاستثناء، ومعناه: أي ولكن سيوفهم بهن فلولٌ. (7)
ومن أمثلة الاستشهاد البلاغي في كتب التفسير ما يأتي:
1 -
ذكر الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ} [الرعد: 14](8) أنَّ «العرب تضربُ لِمَن سعى فيما لا يدركه مَثَلًا، بالقابض على الماء، قال بعضهم (9):
(1) انظر: ديوانه 60.
(2)
مريم 62.
(3)
الكشاف 4/ 34.
(4)
الأعراف 126.
(5)
الكشاف 2/ 134.
(6)
انظر: الكشاف 4/ 733.
(7)
انظر: الكتاب 2/ 326.
(8)
الرعد 14.
(9)
هو ضابئ البرجمي.
فإِنِّي وإِيَّاكُمْ وشَوقًا إليكمُ
…
كَقابضِ مَاءٍ لم تسقه أَنامِلُه (1)
يعني بذلك أنه ليس في يده من ذلك إلا كما في يد القابض على الماء؛ لأن القابض على الماء لا شيء في يده، وقال الآخر (2):
فأَصْبحتُ مِمَّا كانَ بَيْنِي وبَيْنها
…
مِن الوُدِّ مثلَ القَابضِ الماءَ باليَدِ». (3)
ففي هذين الشاهدين البلاغيين دلالة التشبيه، وقد شرح الطبري الأول منهما، وهذا منهج عند الطبري أن يشرح الشاهد الأول ويترك ما بعده استغناء بشرح الأول، وثقةً بفطنةِ القارئ.
2 -
وعند قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 22](4) فَسَّر ابن عطية السماءَ بأنَّها بِمعنى السَّحاب، وأنه: «سُمِّي بذلكَ تَجوُّزًا، لَمَّا كان يَلي السماءَ ويُقاربُها، وقد سَمُّوا المطرَ سَماءً للمُجاورةِ، ومنه قول الشاعر (5):
إذا نَزَلَ السماءُ بأَرض قَومٍ
…
رَعيناهُ وإنْ كانوا غِضابا (6)
فتجوزٌ أيضًا في «رعيناهُ» ، فبتوسط المطرِ جَعلَ السماءَ عُشبًا». (7)
وابن عطية يشير إلى ما يسميه البلاغيون المَجازُ المرسل وإن لم ينص عليه بالاسم، ومعنى البيت: إذا سقط المطرُ بأرض قومٍ فأخصبت بلادُهم، وأجدبتْ بِلادُنا، سِرْنا إليهم ورعينا نباتَهم، وإن غضب أهلها لم نُبالِ بذلك لِعزِّنا. والضمير في قوله:«رعيناه» . كأَنَّه عائدٌ إلى السماء التي بِمعنى المطرِ، سُمِّي النباتُ به لأنهُ سببُ حُدُوثه بأمر الله.
(1) الصناعتين 184، خزانة الأدب 9/ 323.
(2)
هو أبو دهبل الجمحي، والشاهد في الأغاني 7/ 139، ونُسِبَ للأحوص الأنصاري كما في حاشية ديوانه المجموع 273، ورجَّحَ جامعُ الديوان نسبته لأبي دهبل.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 16/ 399 - 400.
(4)
البقرة 22.
(5)
هو معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب.
(6)
انظر: المفضليات 359 وقد استوفى المحقق تخريجه، الحماسة البصرية 1/ 252.
(7)
المحرر الوجيز 1/ 142.