الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعر، وإن كان قد رَدَّ هذا القولَ الزمخشريُّ وابنُ الأنباري وغيرهما، وقالوا إن هذا الشاهد روي مع أبيات منصوبة أيضًا، ومنها:
أَديروهَا بَنِي حَرْبٍ عليكُمْ
…
ولا تَرْمُوا بِهَا الغَرَضَ البَعيدا (1)
والشاهد ما تقدم من أهمية معرفة أبيات القصيدة التي منها الشاهد، مع ما قد يكون في هذا المثال من خلاف، والغرض التمثيل.
ومن الأمثلة كذلك ما ذكره ابن عطية عند تفسير قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر: 74](2) حيث قال: «وقالت فرقةٌ: سِجيّل معناه: شديد، وأنشد الطبري في ذلك لابن مقبل:
..........................
…
ضربًا تواصَى بهِ الأبطالُ سجيلا (3)
والبيت في قصيدةٍ نونيةٍ سِجِّينَا». (4)
فمعرفة أبيات القصيدة التي تسبق بيت الشاهد وتلحقه تدل على صواب الاستشهاد وصحته، فلأن قافية الأبيات نونية فاللفظة إذا:«سجينا» . وهي كذلك في الديوان، وذكروا أن أصلها «سجيلا» ، غير أنها «أُبدلت اللامُ نونًا، كما قالوا في أُصَيلانَ، أُصَيلالَ» . (5) وقد أورد البطليوسي عددًا من الأمثلة على مثل هذه المسألة. (6)
-
الجهل بِموضوع الشاهد ومناسبته
.
فقد يكون سببُ الحاجة للشرح الجهلَ بِمُناسبة الشاهد، وعدمَ معرفة الموضوع الذي يدور حوله، فيحتاج المفسر أن يبين ذلك قبل الشاهد أو بعده ليتضح معنى الشاهد، ووجه الاستشهاد.
(1) انظر: الإنصاف للأنباري 343، خزانة الأدب 1/ 344.
(2)
الحجر 74.
(3)
عجز بيت، وصدره:
ورَجْلَةً يَضربونَ البَيْضَ عن عُرُضٍ
…
..................................
انظر: ديوانه 236، النوادر لأبي زيد 209، مقاييس اللغة 3/ 137.
(4)
المحرر الوجيز 3/ 98.
(5)
الجامع لأحكام القرآن 20/ 198.
(6)
انظر: الاقتضاب 3/ 5 - 8.
ومن ذلك أن الطبري عند تفسيره قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143](1)، وذكر أن بعض المفسرين قد فسَّر «العلمَ» بِمعنى «الرؤية» فقال:«وقال بعضهم: إنما قيل ذلك من أجل أنَّ العربَ تضعُ «العلمَ» مكان «الرؤية» ، و «الرؤية» مكان «العلم»
…
كما قال جرير بن عطية:
كأَنَّكَ لم تشهدْ لَقِيطًا وحَاجِبًا
…
وعَمرَو بنَ عمرٍو إذْ دعَا يالَ دَارِمِ (2)
بمعنى: كأنك لم تعلم لقيطًا؛ لأنَّ بين هُلكِ لَقيطٍ وحاجبٍ وزمانِ جريرٍ ما لا يخفى بُعْدُه من المُدةِ. وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية، وجرير كان بعد بُرهةٍ مضت من مَجيء الإسلام». (3) ولعل الطبري يعني أن الفرزدق لم يشهد مهلك هؤلاء لأنه هو المخاطب بالبيت، وقد استعان الطبري بمعرفته التاريخية بموت هؤلاء من بني دارم في الجاهلية، ولا يمكن فهمه إلا بهذا البيان، ولو جهل هذا التاريخ لما صح تفسير الشهادة بالعلم في البيت، لاحتمال أن الفرزدق أدرك مهلك لقيط وحاجب.
ومن أمثلة ذلك أن القرطبي عند تفسيره قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} [البقرة: 50](4) ذكر أن من معاني التغريق القتل، فقال: «والتَّغْريقُ: القتلُ، قال الأعشى:
.......................
…
أَلا ليتَ قَيسًا غَرَّقتهُ القَوابِلُ (5)
وذلك أَنَّ القابلةَ كانت تُغَرِّقُ المولودَ في ماء السَّلَى عام القَحْطِ،
(1) البقرة 143.
(2)
رواية الديوان: «إذْ دعوا» . ولقيط هو ابن زرارة الذي قتل يوم جبلة، وأسر في ذلك اليوم حاجب بن زرارة، وعمرو بن عمرو بن عدس الدارمي. انظر: ديوانه 2/ 1004.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 3/ 160.
(4)
البقرة 50.
(5)
عجز بيت، وصدره: أَطَورينِ في عَامٍ غَزَاةٌ ورِحْلَةٌ
…
انظر: ديوانه 233.