الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن ذلك قول الطبري: «
…
كما قرأ بعضُ القَرأَةِ: (وَالبَغْي يَّعِظُكُمْ)(1) تَخِفُّ الياءُ مع الياءِ، وذكر أن الكسائي أنشده:
وَأَشْمَتَّ العِدَاةَ بِنَا فَأَصْخَوا
…
لَدَى يَتَبَاشَرُونَ بِمَا لَقِيْنَا (2)
وقال: يريد: لديَّ يتباشرونَ بِمَا لقينا، فحذف ياءً لِحَركتهنَّ واجتماعهنَّ» (3).
فقد اكتفى بذكر من أنشد الشاهد وهو الإمام الكسائي رحمه الله، وحسبك به ثقة في علمه وروايته، وهو ممن رحل إلى البادية في طلب اللغة والشعر، وقد أنفد في الكتابة عن الأعراب خَمس عشرة قِنِّينَةً من الحِبْرِ غير ما حفظ (4).
وقد يكون من أنشد الشاهد عدد من العلماء كأهل الكوفة أو البصرة، فينسبه المفسرُ إليهم جَميعًا. ومن ذلك قول الطبري:«وحكى بعض البصريين (5)، وبعضُ الكوفيين سَمَاعًا من العرب: «طَافَ يطيفُ» ، وطِفْتُ أطِيفُ»، وأنشدوا في ذلك:
أَنَّى أَلَمَّ بكَ الخَيَالُ يَطِيفُ
…
وَمَطَافُهُ لكَ ذِكْرَةٌ وشُعُوفُ (6)». (7)
ثانيًا: التقدمة المُبهمة:
تقدم الحديث عن القسم الأول وهو التقديم للشاهد الشعري بِما
(1) النحل 90، وقراءة إدغام الياء في الياء هي قراءة أبي عمرو ويعقوب وهما من العشرة. وابن جريرٍ يشير إلى كلام الفراء كما في معاني القرآن 2/ 29، وكلام الفراء لا يصرح بحذف الياء الثانية، لكن الشاهد الذي ذكره يدل على أنه أراد هذا، غير أنَّ شاهد الشعر هذا لا يصلح نظيرًا للآية؛ ففي الشاهد ثلاث ياءات: اثنتان مدغمتان أولًا، ثُمَّ الثالثة في أول الفعل، وفي الآية ياءان، وتكرار ثلاث يقتضي الحذف، غير أن تكرار اثنتين يقتضي الإدغام. انظر: النشر 1/ 284.
(2)
لم أعثر على قائله.
(3)
تفسير الطبري (شاكر) 15/ 494.
(4)
انظر: إنباه الرواة 2/ 258.
(5)
هو أبو عبيدة كما في مجاز القرآن 1/ 237.
(6)
لكعب بن زهير. انظر: ديوانه 113.
(7)
تفسير الطبري (شاكر) 13/ 335.
يبينه، والتمهيد له بما يدل على قائله بيانًا تامًا أو ناقصًا، وهذا هو القسم الثاني وهو التقدمة المبهمة للشاهد الشعري، وهي أن يُبهمَ المفسرُ ذكرَ الشاعرِ، فلا يُستدَلُّ على القائلِ بعَينهِ، أو قبيلتهِ، أو نحو ذلك مِمَّا يُقَلِّلُ شُيوعَه، فيبقى قائلُ الشاهد مَجهولًا لا يُعرفُ، وهذا شائع في كتب التفسير.
ومن أمثلته قول الطبري: «وأنشدوا في همز الألف
…
». (1)، وقوله: «وقد زعم بعض أهل العربية أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين، وأنشد في ذلك
…
» (2) ولم يذكر من هو الشاعر، وكثيرًا ما تَرِدُ في كتب المفسرين والنحويين واللغويين قبل إيرادهم للشاهد الشعري عبارة «وأنشد» ، أو «وأنشدوا» ، أو «وينشد» ، والنشيد هو رفع الصوت بالشِّعْر، وإنشادُ الشِّعرِ: إلقاؤه، وكانت - وما زالت- عادةُ ملقي الشعر أن يرفع صوته عند الإلقاء فَسُمِّيَ منشدًا (3)، وهي صيغة من صيغ رواية الشعر
…
المعروفة (4).
- ومن التقدمة المبهمة قول المفسر: «كما قال الشاعر» (5)، وقوله:«وذلك كقولهم» (6)، و «ومنه قول الشاعر» ، و «ويُنشدُ لبعض شعرائهم» ، «وقد أنشدني بعضهم سَماعًا من العرب» ، ونحو هذه العبارات المبهمة.
- ومن التقدمة المبهمة التي يقدم بها بين يدي الشواهد الشعرية من بَحْرِ الرَّجَزِ قولهم: «قال الراجز» (7)، والرَّجَزُ نوعٌ من الشعر له وزن
(1) المصدر السابق 6/ 297، 13/ 335.
(2)
المصدر السابق 15/ 185.
(3)
انظر: لسان العرب 14/ 139 - 140 (نشد).
(4)
انظر: الشاهد وأصول النحو لخديجة الحديثي 147.
(5)
انظر: تفسير الطبري (هجر) 18/ 516، تفسير الطبري (شاكر) 2/ 20 - 21، 37، 40.
(6)
تفسير الطبري (شاكر) 12/ 334.
(7)
المصدر السابق 2/ 26، 233، 14/ 204، 278، 15/ 409 - 410، تفسير الطبري (هجر) 14/ 191.